ثم قال الذهبي: [قال الإمام العلم أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري صاحب التصانيف الشهيرة، في كتابه مختلف الحديث: نحن نقول في قوله تعالى "ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم": أنه معهم، يعلم ما هم عليه، كما تقول للرجل وجهته إلى بلد شاسع: احذر التقصير فإني معك، يريد أنه لا يخفى علي تقصيرك، وكيف يسوغ لأحد أن يقول: إن الله سبحانه بكل مكان، على الحلول فيه، مع قوله "الرحمن على العرش استوى" ومع قوله "إليه يصعد الكلم الطيب"، كيف يصعد إليه شيء هو معه؟ وكيف تعرج الملائكة والروح إليه وهي معه؟ قال: ولو أن هؤلاء رجعوا إلى فطرتهم وما ركبت عليه ذواتهم من معرفة الخالق لعلموا أن الله عز وجل هو العلي وهو الأعلى، وأن الأيدي ترفع بالدعاء إليه، والأمم كلها عجميها وعربيها يقول: إن الله في السماء، ما تُركت على فطرها] انتهى.
ثم قال الذهبي أيضاً: [عن يزيد بن هارون شيخ الإسلام، أنه قيل: من الجهمية؟ قال: من زعم أن "الرحمن على العرش استوى" على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي].
قال الذهبي: [والعامة، مراده بهم جمهور الأمة وأهل العلم، والذي وقر في قلوبهم من الآية هو ما دل عليه الخطاب، مع يقينهم بأن المستوي "ليس كمثله شيء" هذا هو الذي وقر في فطرهم السليمة، وأذهانهم الصحيحة، ولو كان له معنى وراء ذلك لتفوهوا به ولما أهملوه! ولو تأول أحد منهم الاستواء لتوفرت الهمم على نقله، ولو نقل لاشتهر، فإن كان في بعض جهلة الأغبياء من يفهم من الاستواء ما يوجب نقصاً أو قياساً للشاهد على الغائب وللمخلوق على الخالق فهذا نادر، فمن نطق بذلك زجر وعلم، وما أظن أن أحداً من العامة يقر في نفسه ذلك والله أعلم] انتهى.)))
قلت: والكلام طويل جداً في عدة صفحات، أكتفي بما نقلته لدلالته الواضحة على المراد فانظر إلى قوله رحمه الله عن تفسير الاستواء بالعلو: [ومن هذه الآية]، وانظر إلى قوله عن تفسير الاستواء في كل مواضعه بمعنى علا وارتفع: [لا حاجة إلى الاستنكار من ذلك، فإن الاستواء غير مجهول وإن كان الكيف مجهولاً.]!
(شعر (مميز 4 - الشيخ عبد الرزاق البيطار الأثري))
قال الفهري في البلدانيات (ص10 رقم 4): (شعر الشيخ عبد الرزاق بن بهاء الدين حسن البيطار عالم محدث أثري مؤرخ، من أشهر علماء دمشق)
وذكر في رياض الجنة (2/ 69) أنه كان (شعر ميالاً لأهل الحديث وعقيدة السلف، ولقد قال في كتاب وجهه إليّ: [ثم إنني فهمت من خطابكم وفحوى كتابكم أنكم تميلون لمذهب السلف وأهل الحديث، فلله ما أحسن هذا المذهب وأحكمه، وأفخره وأفخمه، مذهب القرآن والسنة، ومنهج من كان له على المخلوقات أعظم منّة، ثم أنشد الأبيات الشهيرة:
دين النبي محمد أخبار. . . نعم المطية للفتى آثار
لا ترغبنّ عن الحديث وأهله. . . فالرأي ليل والحديث نهار
ولربما جهل الفتى أثر الهدى. . . والشمس بازغة لها أنوار]) وقد عده الطنطاوي من وهابية دمشق المعروفين، فانظر ترجمة حفيده محمد بهجة البيطار الآتية.
وللشيخ البيطار أخبار سلفية في [مراسلات القاسمي مع الألوسي] (ص105 وبعدها)، ومن ذلك قول البيطار (ص104 - 105): (شعر إن ابن تيمية إمام في السنة كبير، وطود عظيم من أطواد العرفان، حافظ للسنة النبوية ومذهب السلف، يذُبُّ عن الدين، ويقمع المارقين كالمعتزلة والقدرية والرافضة والجهمية، فما فارق سبيل الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة قيد أنملة، وإن كان حنبلياً في الفروع، فهو في أصول الدين جامع لمذاهب الأئمة الأربعة الأئمة، والأربعة الخلفاء الراشدين ومن سلك سبيلهم.
فإن كان الوهابية حقيقة على منهج ابن تيمية وابن القيم ونحوهما من فقهاء الحنابلة السنية فهم أسعد الناس بالشريعة، لأن ابن تيمية وأصحابه لم يسئ القول فيهم إلا القاصرون عن درجاتهم علماً وتحقيقاً، والراسخون في العلم شهدوا بعلو مكانتهم.) ثم قال البيطار (ص105): (شعر وقد طالعت الرسائل المؤلفة من محمد بن عبد الوهاب وأصحابه، ورأيت ما كتبه الجبرتي في تاريخه من عقائدهم وسيرتهم، فما هي إلا طريق السنة، ليس فيها ما يُنكر.)
(شعر (مميز 5 - الشيخ العلامة محمد بهجة البيطار))
¥