تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لقد كان السلف الصالح لهذه الأمة من أشد الناس حرصاً على الاهتمام بكتاب الله تلاوة وتعليماً بعد سماعهم الأحاديث الدالة على الترغيب في تعلمه واستظهاره من نحو قوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، فلا يقدمون على تعلمه شيئا من العلوم، فما أن يعقل الطفل حتى يبدأ في تعليمه حروف (أبي جاد) ثم قصار السور من المفصل، ويلقن ذلك تلقيناً خمس آيات أو عشر آيات حتى يتم حفظ كتاب الله أو ما تيسر منه بحسب همته وسعة حفظه وإدراكه.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: \"توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم\". وعنه: \"جمعت المحكم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: ما المحكم؟ قال: المفصل\"، قال ابن كثير: \"فيه دلالة على جواز تعليم الصبيان القرآن لأن ابن عباس أخبر عن سنِّه حيث موت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان جمع المفصل وهو من الحجرات، وعمره إذ ذاك عشر سنين\".

وقد كان بعض الشيوخ من المحدِّثين لا يقبل في حلقة درسه من الطلاب إلا من درس القرآن أولاً. قال حفص ابن غياث المتوفى سنة 194هـ: \"أتيت الأعمش سليمان بن مهران سنة 148هـ فقلت: حدثني، فقال: أتحفظ القرآن قلت: لا قال: اذهب فاحفظ القرآن ثم هلمّ أحدثك، قال: فذهبت فحفظت القرآن الكريم ثم جئته فاستقرأني فقرأته فحدثني\".

إخوتي في الله، لما كان الإسناد من خصائص هذه الأمة فقد رعته حق الرعاية، وأولته جل الاهتمام في كثير من العلوم وأول ذلك الكتاب والسنة، وأقوال العلماء في العناية بالأسانيد معلومة وهي في كتب الحديث مبثوثة، منها قول الإمام أحمد رحمه الله: \"الإسناد العالي سنة عن سلف\"، وقال الشافعي: \"مثل الذي يطلب الحديث بلا إسناد كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيه أفعى ولا يدري\"، وقال عبدالله بن المبارك: \"الإسناد من الدِّين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء\".

وتتبع أقوال المحدثين في ذلك يطول، غير أن الذي ينبغي بيانه هو عناية علماء القراءات بالأسانيد ورحلتهم في طلبها وبيان العالي منها والنازل والمتصل والمنقطع وما به علة قادحة وطرق الأخذ والتحمل، هذا كله موجود عند القراء كما عند المحدثين، فهو عند القراء موجود وجهودهم فيه مشكورة.

وهذا فن قد يخفى على كثير من طلاب العلم لاعتقاد البعض أن تتبع الأسانيد والكشف عنها وتتبع طبقات النقلة والرواة هو من اختصاص علماء الحديث، وفاتهم أن لعلماء القراءات باع طويل في معرفة رجالهم وطبقاتهم ورواتهم بل ولا زالوا يحافظون على أسانيدهم إلى يومنا هذا في الوقت الذي تقطعت فيه كل الطرق والأسانيد في العلوم الأخرى.

قال ابن الجزري رحمه الله تعالى مبينا ذلك الجهد الذي بذله علماء القراءات في الحفاظ على أسانيدهم والعناية بها: \"ومن نظر أسانيد كتب القراءات وأحاط بتراجم الرواة عرف قدر ما سبرنا ونقحنا واعتبرنا وصححنا، وهذا علم أهمل وباب أغلق وهو السبب الأعظم في ترك كثير من القراءات والله تعالى يحفظ ما بقي\".

وقال ابن مجاهد رحمه الله تعالى المتوفى سنة 324 هـ مشبها للآثار الواردة في حروف القرآن بالآثار الواردة في الحديث من حيث القبول والردّ والصحة والضعف حاضاً على النظر في الأسانيد وفحص الروايات من قبل العلماء العارفين، قال رحمه الله تعالى: \"وأما الآثار التي رويت في الحروف فكالآثار التي رويت في الأحكام، منها المجمع عليه السائر المعروف ومنها المتروك المكروه عند الناس المعيب من أخذ به وإن كان قد روي وحفظ ومنها قد توهم فيه من رواه فضيعه روايته ونسي سماعه لطول عهده فإذا عرض على أهله عرَّفوا بوهمه وردوا على من حمله وربما سقطت روايته لذلك في إصراره على لزومه وترك الانصراف عنه، ولعل كثيراً ممن ترك حديثه واتهم في روايته كانت هذه علته، وإنما ينتقد ذلك أهل العلم بالأحكام والأخبار والحلال والحرام والأحكام، وليس انتقاد ذلك إلى من لا يعرف الحديث ولا يبصر الرواية والاختلاف وكذلك ما روي من الآثار في حروف القرآن منها المعرب السائر الواضح ومنها المعرب الواضح غير السائر ومنها اللغة الشاذة القليلة ومنها الضعيف المعنى في الإعراب غير أنه قد قرئ به ومنها اللحن الخفي الذي لا يعرفه إلا العالم النحرير و!

بكل قد جاءت الآثار في القراءات\".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير