وأما الإجازة بالقرآن كله والعرض لبعضه فيقول ابن الجزري يرحمه الله تعالى في ترجمة محمد بن أحمد الأصبهاني: \"ودخل الروم فلقيني بأنطاكيا متوجهاً إليها من الشام فقرأ عليّ للعشرة بعض القرآن وأجزته ثم توجه إلى مدينة دراندا فأقام بها يقرأ الناس\". وإن الإجازة – أيها الإخوة – بالقرآن كله وعرض التلميذ على الشيخ بعض القرآن سواءً كان في القراءات السبع أم في العشر، وهو أحد الإجازات القرآنية الثلاث التي تأتي والتي لا تتأتى إلا لمن بلغ درجة كبيرة في الإتقان، وهذا هو الشرط في مثل هذا النوع من الإجازات.
المبحث التاسع: الإجازة بالسماع:
وأما الإجازة بالسماع فقد تقدم كلام الشيخ يحفظه الله تعالى، وأيضاً شرطه هو أن لا يتأتى إلا لمن بلغ درجة كبيرةً في الإتقان.
المبحث العاشر: الإجازة بأحرف الخلاف فقط:
وأما الإجازة بأحرف الخلاف فقط فأيضاً لا تكون إلا لمن بلغ درجة في الإتقان ولا يتحقق هذا إلا بكثرة العرض، يقول أبو عمرو الداني: \"إذ إنّ حسن الأداء بكثرة العرض\".
المبحث الحادي عشر: التشدد والتساهل في الإجازة القرآنية:
وأما التساهل والتشدُّد في الإجازة القرآنية فالناس فيه طرفا نقيض، أسوق ما قال الإمام الذهبي في ترجمة محمد بن أحمد بن مسعود المعروف بابن صاحب الصلاة المتوفى سنة 525هـ، قال الأبار: \"لم آخذ عنه لتسمحه في الإقراء والإسماع سامح الله له\"، وقال الذهبي: \"قلت: وأنا رأيت له ما يدل على تسمحه بخطه أن بعض القراء قرأ عليه في ليلة واحدة ختمة كاملة برواية نافع\". وأما التشدد -أيها الإخوة - فهو طرف مقابل لذلك، يقول أبو عمرو الداني: \"لم يمنعني أن أقرأ على أبي طاهر إلا أنه كان فظيعاً وكان يجلس للإقراء وبين يديه مفاتيح فكان ربما يضرب بها رأس الطالب إذا لحن فخفت ذلك فلم أقرأ عليه وسمعت منه كتبه\".
المبحث الثاني عشر: إجازة صغير السنِّ:
وأما إجازة صغير السنِّ فلا أرى مانعاً من إجازة صغير السنّ إذا كان أميناً عاقلاً ديناً يرى فيه النبوغ والأهلية كما جاء في ترجمة عبدالرحمن بن مرهف بن عبدالله الشافعي المتوفى سنة 661هـ، وترجمته في غاية النهاية وفي معرفة القراء الكبار.
المبحث الثالث عشر: الإجازة من المصحف:
وأما الإجازة من المصحف فالأصل في عرض القرآن الكريم أن يكون حفظاً عن ظهر قلب، ولم يكن عرض القرآن الكريم من المصحف من عمل السابقين، والذي يظهر لي -والله أعلم -جواز هذا النوع من الإجازات القرآنية بشروط:
أولاً: عدم قدرة الطالب على حفظ القرآن الكريم.
ثانياً: إتقان الطالب وضبطه.
ثالثاً: الإفادة في الإجازة بأنه أجيز بقراءته من المصحف مباشرة.
رابعاً: يمنع المجاز بهذه الطريقة من إجازة غيره فهي له بمثابة الإجازة الخاصة.
المبحث الرابع عشر: قواعد عامة في الإجازات القرآنية:
ثَم قواعد عامة في الإجازات القرآنية لعلّ إن شاء الله يكون في مناسبة أخرى.
أهم التوصيات:
• الإجازة القرآنية ليست حديثة عهد بل هي مرتبطة بارتباط وثيق بنزول القرآن الكريم ومعارضة النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام هي الأصل في هذا.
• المباحث الموجودة في هذا البحث أيها الإخوة الأفاضل تحتاج إلى إضافة أخرى من مباحث وضوابط وقواعد وشروط، وهذا البحث هو محاولة جادة وبداية لضبط هذا الموضوع بأكثر من باحث ليستوي ويستغلظ على سوقه.
• ليست الإجازة شرطاً في الإقراء، وكذا ليس كل من أجيز قادراً على الإقراء.
• التوصية بتفعيل دور الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه وذلك من خلال الآتي:
1 - وضع لجنة علمية مختصة لمراجعة ودراسة أسانيد المقرئين المشهورين في المملكة العربية السعودية لاعتماد أسانيدها وجعلها أصلاً ترجع إليه الأسانيد الأخرى الدائرة عليها حتى تسلم الإجازات القرآنية من عبث العابثين ومدعي العلوّ.
2 - عقد ندوات أخرى مختصة في علم الإقراء والقراءات القرآنية والتجويد حيث إن هذه العلوم خاصة بحاجة (سقط بسبب ضعف الصوت).
3 - الاحتفاظ بنسخة من إجازة القارئ لسلامة سنده من التدليس أو التزوير أو الفك والتركيب.
4 - توثيق الإجازات القرآنية واعتمادها من قبل الجمعية العلمية للقرآن الكريم وعلومه بعد تدقيقها وفحصها.
¥