ـ[عبدالله ابن عَبيدِه]ــــــــ[08 - 03 - 06, 12:36 م]ـ
في "الجواهر والدرر" زيادات وإفادات على ما أورده السبكي.
وحفظ الحديث كما قال أئمته المتقدمون هو المعرفة والإتقان، وهي في كل زمن بحسبه.
فلا بد أولاً من معرفة اختلاف أحوال العلوم باختلاف الأزمان والظروف.
وتكون مقايسة الظروف إلى الظروف.
وأما الناس فلا يقايس أهل زمان قعدت بهم ظروف زمانهم بأهل زمان آخر ارتفعت بهم ظروفه فقد جعل الله لكل شيء قدراً وهو سبحانه خالف بينهم بقدر ورفع بعضهم فوق بعض درجات بحكمته، وأمرنا في شرعه أن نعدل بين عباده قولاً كما نعدل معهم فعلاً.
"إن الله يأمر بالعدل والإحسان".
وقال:" وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى".
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فضل المتمسكين بدينه وسنته عند اختلال النظام وعموم الفتن وقلة العلم ووقوع الهرج، في أحاديث لا تخفى على الإخوان رعاهم الله تعالى، وفي بعضها كما تعلمون:" للواحد منهم أجر خمسين منكم" أي من الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
وقد أمر الله عزوجل أن لا نبخس الناس أشياءهم، وأن لا نخسر الميزان، وأن لا نطفف في الكيل كما نكره أن يطفف علينا في الاكتيال.
وهذا يتطلب أمرين من أهل العدل:
1. أن يقارن بين الظروف والظروف.
2.أن يقاس أهل كل عصر بحسب ما آتاهم الله تعالى من الأسباب لأننا لا نعلم إن كان من منع سبباً ناله غيره أكان سيلحقه أم يفوقه.
والمراد بالأسباب هنا الأسباب المنفصلة لا صفات الإنسان القائمة به فإنها هي في الحقيقة معيار مفاضلة ذواتها.
أما حفظ أهل المئة الثانية والثالثة فصريح كلام الأئمة الكبار كالذهبي وغيره أنه كان منعدماً في زمانه ولذلك أسباب وقد ظهر للحفظ ألوان أخرى بعد انتشار دواوين الحديث وصيرورتها هي العمدة في ضبطه ونقله بعد القرون الثلاثة الأولى.
وقد تكلم على نحو هذا المعنى جماعة منهم محدث الهند في وقته ومحيي علم الحديث والسنن النبوية في البلاد الهندية العلامة أحمد بن عبدالرحيم الدهلوي المعروف بشاه ولي الله وذلك في كتابه:" إتحاف النبيه" وقد طبعت ترجمته عن الفارسية، والحمد لله.
وإذا أردت أن تعرف حال مثل هذا الرجل ومنزلته من الحديث وعلومه فتدبر واستقري حال أهل زمانه في ذلك ثم احكم عليه، أما أن تقايس رجلاً هندياً في القرن الثاني عشر مع ظروف الهند وما فيها وظروف القرن الثاني عشر وما كان عليه الناس مما اقتضت رحمة الله تعالى بعباده أن يقيض لهم فيه من يجدد لهم دينهم كالشاه ولي الله المذكور في الهند وبلاد المشرق، وكالإمام محمد بن عبدالوهاب في نجد وكجماعة بالمدينة خاصة والحجاز مثل محمد حياة السندي وتلامذته وعلى رأسهم محمد سعيد سفر، وكذا أبي الحسن السندي الصغير، وأصحابهما كالفلاني صاحب" إيقاظ الهمم"، وإن كان لكل في الإصلاح وجهة يسره الله لها وفي المنزلة رتبة بوأه الله تعالى إياها.
والمقصود بذكر هذا الإصلاح أنه ما وقع إلا بتقدم ظروف عصيبة اقتضت ظهوره ووقوعه، فمثل هذه الظروف إذا نبغ فيها من يخدم الحديث والسنة ويدعو إليها يقاس جهده بأمرين:
1. ما أحيا الله به من العلم أو حفظه.
2. ما أزال الله به من الجهل.
والجهاد في سبيل الله على هذين النوعين سواء أكان قولاً أم فعلاً، إما أن يكون إقداماً أو دفعاً.
والمتسرعون يحكمون بالظواهر المحضة التي تظهر لهم وهي في الحقيقة ظواهر نسبية بالنسبة لهم ولقصور اطلاعهم، وأما في الواقع فالظاهر بخلاف ما استظهروه.
فلا إفراط بجعل حفاظ المتأخرين كالمتقدمين، ولا تفريط ببخس المتأخرين شيئاً وهبهموه الله تعالى.
ومن تلاميذ الشاه ولي الله الصغار الذين صار لهم نفع كبير في إحياء علوم الحديث، وله عمل في سائر أبوابه العلامة الشريف محمد الهندي البلجرامي (نسبة إلى موضع بالهند) الملقب بالمرتضى الزبيدي شارح القاموس والإحياء، وصاحب التصانيف العديدة المفيدة وهو أشهر وأجل من رد الله به حياة هذا العلم في الديار المصرية بعدما ضعف وتضعضع، وقد ظهر أثره عليه رغم تأثره القوي بظروفه الزمانية والمكانية وعلاقاته المتنوعة، وأدركته بركته الحديث التي لا يجهلها من أبصر سناها ووجد عرفها.
¥