تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الضرب الخامس: الإجازة للمعدوم كأجزت لمن يولد لفلان، واختلف المتأخرون في صحتها فإن عطفه على موجود كأجزت لفلان ومن يولد له أو لك ولعقبك ما تناسلوا فأولى بالجواز، وفعل الثاني من المحدثين أبو بكر بن أبي داود، وأجاز الخطيب الأول، وحكاه عن ابن الفراء، وابن عمروس، وأبطلها القاضي أبو الطيب، وابن الصباغ: الشافعيان، وهو الصحيح الذي لا ينبغي غيره، وأما الإجازة للطفل الذي لا يميز فصحيحه على الصحيح الذي قطع به القاضي أبو الطيب، والخطيب خلافاً لبعضهم.

الضرب السادس: إجازة ما لم يتحمله المجيز بوجه ليرويه المجاز إذا تحمله المجيز. قال القاضي عياض: لم أر من تكلم فيه، ورأيت بعض المتأخرين يصنعونه، ثم حكى عن قاضي قرطبة أبي الوليد منع ذلك، قال عياض: وهو الصحيح، وهذا هو الصواب، فعلى هذا يتعين على من أراد أن يروي عن شيخ أجاز له جميع مسموعاته أن يبحث حتى يعلم أن هذا ما تحمله شيخه قبل الإجازة، أما قوله أجزت لك ما صح أو يصح عندك من مسموعاتي فصحيح تجوز الرواية بما لما صح عنده سماعه له قبل الإجازة، وفعله الدارقطني وغيره.

الضرب السابع: إجازة المجاز كأجزتك مجازاتي فمنعه بعض من لا يعتد به، والصحيح الذي عليه العمل جوازه، وبه قطع الحفاظ: الدارقطني، وابن عقدة، وأبو نعيم وأبو الفتح نصر المقدسي، وكان أبو الفتح يروي بالإجازة عن الإجازة، وربما والى بين ثلاث، وينبغي للراوي بها تأملها لئلا يروي ما لم يدخل تحتها، فإن كانت إجازة شيخ شيخه أجزت له ما صح عنده من سماعي فرأى سماع شيخ شيخه فليس له روايته عن شيخه عنه حتى يعرف أنه صح عند شيخه كونه من مسموعات شيخه.

فرع: قال أبو الحسين بن فارس: الإجازة مأخوذة من جواز الماء الذي تسقاه الماشية والحرث، يقال: استجزته فأجازني إذا أسقاك ماءً لماشيتك أو أرضك كذا طالب العلم علمه فيجيزه، فعلى هذا يجوز أن تقول أجزت فلاناً مسموعاتي، ومن جعل الإجازة إذناً وهو المعروف يقول: أجزت له رواية مسموعاتي، ومتى قال: أجزت له مسموعاتي فعلى الحذف كما في نظائره، قالوا: إنما تستحسن الإجازة إذا علم المجيز ما يجيز، وكان المجاز من أهل العلم، واشترطه بعضهم وحكي عن مالك، وقال ابن عبد البر: الصحيح أنها لا تجوز إلا لماهر بالصناعة في معين لا يشكل إسناده، وينبغي للمجيز كتابة أن يتلفظ بها فإن اقتصر على الكتابة مع قصد الإجازة صحت، والله أعلم.

ثم يسأل أبو التراب فيقول: و كيفية وشروط الحصول عليها؟ أي الإجازة.يقول أبو محمد حسام الدين: إن أهم شرط للحصول على هذه الإجازة هو الأمانة والصدق والمروءة والعدالة قبل أن يكون أهلاً لهذا العلم تحملاً وأداءاً قراءة وسماعاً.

ثم يسأل أبو التراب فيقول: وما الفرق بين من يجيز في القراءات ومن يجيز في الحديث؟

يقول أبو محمد حسام الدين: الفرق كبير والبون شاسع.

إذ تتميز القراءات القرآنية أنها متعددة القراء والرواة، إذ لكل قارئ راويان يرويان عنه قراءته، والقراء أربعة عشر قارئاً، والفرش كثيرة متداخلة ينبغي فيها التلقي من أفواه الرجال العارفين بها والذين قد تلقوا هذا العلم عمن قبلهم وهكذا بالسند الواصل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فلا تجوز الإجازة بالقرآن الكريم دون تلقي للقرآن الكريم برواية واحدة أو بالجمع من أوله إلى آخره أي من الفاتحة حتى سورة الناس.

وبالتالي فأنواع التحمل في القرآن الكريم قراءة على الشيخ أو السماع من لفظ الشيخ.

أما الحديث الشريف فأنواع التحمل فيه كثيرة منها:السماع من لفظ الشيخ ومنها القراءة على الشيخ، ومنها الإجازة التي تسأل عنها يا أبا التراب، ومنها المناولة، ومنها المكاتبة، ومنها إعلام الشيخ الطالب بمروياته، ومنها الوصية ومنها الوجادة وبذلك تتم أنواه التحمل الثمانية.

وبذلك يتبين لك الفرق بين نوعي الإجازة في القرآن الكريم والحديث الشريف، ففي الحديث الشريف زيادة في ستة أنواع من التحمل، وهذا يعكس تشددعلماء المسلمين و القراء في نقل كتاب الله وحرصهم عليه، والزيادة في أنواع التحمل في الحديث الشريف لا تعكس تساهلاً في حديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إنما يعكس مرونةً، فلكتاب الله تعالى ضوابط ينبغي التقيد بها، ولسنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضوابط تتعلق بها أيضاً.

ثم يسأل أبو التراب فيقول: وهل يمكن أن يجمع بينهما شخص واحد؟

يقول أبو محمد حسام الدين: هذا ممكن بل ينبغي على طالب العلم أن يهتم أولاً بكتاب الله تعالى حفظاً وأداءاً وإجازة، ثم يتحول بعدها إلى أحاديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حفظاً وتحملاً وأداءاً.

وهنا في هذا الملتقى كثير ممن جمع العلم بين كتاب الله وسنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

وأنا أعرف الكثير منهم وإن شئت حددت لك بعضهم.

ثم يسأل أبو التراب فيقول: وكذلك هل من يجيز يقوم أولاً بتحفيظ طالب الإجازه أم انه - أي الأخير - يأتي له حافظاً من البداية؟

يقول أبو محمد حسام الدين: إن أمكن أن يقرأ على الشيخ ويحفظ على يديه فهو أفضل، وإلا فإن أتى حافظاً متقناً متبحراً عالماً بعلوم المصطلح فلا حرج في ذلك، ويكون التحمل كما قلنا بأنواع كثيرة ـ سبق بيانها ـ.

ثم يسأل أبو التراب فيقول: وهل تتم هذه الإجازة بمقابل مادي كما حدثني بعض الإخوة؟

يقول أبو محمد حسام الدين: اعلم أن العلماء العاملين المخلصين، لا يأخذون على إبلاغ أماناتهم أجراً، فهذا الدين أمانة وإبلاغه إنما يكون لوجه الله تعالى، فإن علمت أن فلاناً من الناس لا يجيز من هو أهل لحمل هذه الأمانة إلا مقابل أجر مادي فإنما يكون شأنه كمن مسح أعلى جبينه بأسفل خفه، ولا أظن أن من علمائنا من يفعل ذلك إلا إذا انتشر اليوم الفئة التي أخبر عنها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهي الرؤوس الجهال.

أعاذنا الله وإياكم والمسلمين من هؤلاء.

هذا وأصلي وأسلم على سيدي وسندي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير