بعد هذا الأساس الأول لمن يريد طلب العلم الشرعي بحق – أعني حفظ القرآن – شرع يقرأ على مشايخه فكان أولهم والده الشيخ إبراهيم، فقرأ عليه في مختصرات رسائل أئمة الدعوة ونُبَذ إمام الدعوة رحمه الله، كان يحفظ المتن ثم يقرؤه على والده ثم يشرح له والده ما يُفهِمه مرامي كلامِهم، وأصول مسائلهم، وهكذا ينبغي أن يكون التوحيد هو أول مُتَعَلَم، وإنما يفهم ويضبط بضبط متونه قبل شروحه، إذ من حفظ وضبط المتون حاز الفنون.
ولما بلغ قريبًا من السادسة عشرة مرض بالرمد في عينيه، وطال معه إلى قرابة سنة، إلى أن كفَّ بصره عوضه الله الجنة.
بعد هذا شرع في حفظ القرآن وتثبيته وتنوع القراءة على مشايخه، كما سيأتي فيما بعدُ.
وفي 6/ 12/1329هـ تُوفي والده عن عمرٍ يقارب 49 سنة إذ مولده سنة 1280هـ وكان للشيخ إبراهيم أربعة أبناء كبيرهم عبد الله (1305 – 1386هـ) ثم محمد ثم عبد اللطيف (1315 – 1386هـ) ثم عبد الملك (1324 – 1404هـ)، وكلهم عُرِف بالعلم والحلم والسداد رحمهم الله أجمعين.
فكان الشيخ رحمه الله لصغار إخوته حانيًا ومربيًا ومعلمًا.
? تعلمه – مشايخه:
جدّ الشيخ في تلك السن المبكرة على طلب العلم، فتنقل بين علماء بلده يأخذ عنهم العلوم الشرعية الأصلية والمساندة، فأخذ عن كل شيخ من مشايخه العلوم التي يدرسها، وبالأخص ما يتميز به كل شيخ من العلوم، ولهذا برع فيما درس لبراعة مشايخه وحسن استعداده العلمي والفطري: ففي التوحيد صارت له يد التحقيق، وفي الفقه رسخت قدمه في الاجتهاد، وفي العربية وعلومها صار معلمها الشارح لها أحسن شرح وهكذا في سائر العلوم، ولا غرو أن كان كذلك إذ إنه تتلمذ لمشايخ برعوا في علومهم، ومشايخه هم:
1 – والده الشيخ إبراهيم. (1280 – 1329هـ).
2 – عمه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف. (1265 – 1339هـ).
3 – الشيخ النحوي الفرضي الفقيه حمد بن فارس. (1263 – 1345هـ).
4 – الشيخ المحدث الفقيه سعد بن عتيق. (1279 – 1345هـ).
5 – الشيخ الفرضي عبد الله بن راشد. (وفاته 1339هـ).
6 – الشيخ الفقيه محمد بن محمود. (1250 – 1333هـ).
قرأ على والده أصول التوحيد ومختصراته، والفرائض، ثم توسع في الفرائض على الشيخ عبد الله ابن راشد فقرأ عليه ألفية الفرائض.
وقرأ على عمه كتبًا كثيرة حفظًا منها كتب العقائد والتوحيد ككتاب التوحيد وكشف الشبهات وثلاثة الأصول ونحوها، وبقية كتب أئمة الدعوة، وقرأ الواسطية والحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية، وحين يقال: قرأ فيعني حفظ غالبًا، وفهم ذلك وجوَّده.
وقرأ في الفقه مختصراته أولاً على الشيخ حمد بن فارس فحفظ زاد المستقنع، ثم قرأ على الشيخ محمد بن محمود ثم الشيخ سعد بن عتيق، وكان هؤلاء الثلاثة ممن برعوا في الفقه وحققوا مسائله، وضبطوا غرائبه.
وأما في الحديث: فقد حفظ بلوغ المرام وقريبًا من نصف " منتقى الأخبار " للمجد ابن تيمية وقرأهما على عمه الشيخ عبد الله، وكرر قراءة بلوغ المرام على المحدث الشيخ سعد بن عتيق وأمرّ عليه ألفية العراقي.
وقد أُعطي إجازات في الحديث متنوعة وروى بأسانيده عددًا من الأحاديث إلى رسول الله بسماعٍ لا إجازة، ولولا خشية الإطالة لسقت ذلك مفصلاً.
وأما في علوم العربية: فقد حفظ من متونها ما به تثبت القدم، ويرسخ الفهم، فقرأ الآجرومية، وملحة الإعراب للحريري، وقطر الندى لابن هشام، وألفية ابن مالك المشهورة، قرأ هذه المتون على العلامة النحوي الحليم المتورع الفقيه الشيخ حمد بن فارس.
وقد دَرَّس الشيخ بعد ذلك هذه المتون النحوية فبرز في ذلك.
نعم .. إن للأخذ عن المشايخ فوائد مع الحصيلة العلمية، فالتلميذ يقبس من أخلاق مشايخه ويتأثر بسجاياهم والخصال الجميلة التي يتحلون بها.
¥