ولا غرو أن رأينا مشايخ الشيخ محمد بن إبراهيم متنوعين فيما منحهم الله به، فهاهو الشيخ عبد الله عمه جمع إلى العلم الدهاء والعقل وحسن السياسة والقيادة، والشيخ سعد بن عتيق جمع إلى العلم الصدع بالحق والقوة فيه، والشيخ حمد بن فارس جمع إلى العلم الحلم العجيب والورع عن المشتبهات، والتوقف عن المزلات .. وهكذا، ومن نظر في خصال المترجم له وشخصيته وبنيته العقلية والخُلُقية والعلمية كاد أن يجزم أنه جمع المحاسن التي تفرقت في مشايخه، وتحلى بالفضائل التي تبددت في غيره، وليس في هذا مبالغة ولكن من عرفه علم ما ذكرناه.
? إخوانه – زملاؤه:
سبق أن ذكرت أن للشيخ ثلاثة من الأخوة هم الشيخ عبد الله وكان إمامًا لمسجد ابن شلوان في الرياض وكان – إضافة إلى علمه – متميزًا بصفاتٍ كلين العريكة وطيب المعشر وضبط الحديث وحسن الخلق، وكان من العارفين بالأنساب الضابطين لها، وكان أخباريًا ثبتًا في حديثه، والشيخ عبد الله أسن من الشيخ محمد رحمهما الله، وقد كان الشيخ ينيبه أحيانًا لخطبة الجمعة.
والشيخ عبد اللطيف كان حليف الود للشيخ محمد من صغره، كان مرافقًا له في ذهابه وإيابه غالبًا، قريبًا منه، وكان معينًا له في تحضير الدروس، والشيخ عبد اللطيف كان – إضافة إلى علمه الشرعي – من الأدباء الشعراء، والنحويين الغرضيين، فله الشعر الرائق المحفوظ، وقد درَّس الطلاب مع الشيخ محمد ونيابة عنه في فنون العربية والفرائض وغيرها.
وكان متميزًا ببذل نفسه للناس يخدم هذا، ويكتب لذاك، ويشفع لهذا ويعطي ذاك، وربما أرهقه الناس بما يرغبون فيه وهو صابر عليهم، فربما خرج من المسجد في اليوم الحار فأمسك به ذوو الحاجات فيقضي لهم ما يقدر عليه من كتابة وغيرها ويدوم ذلك الساعة وأكثر وهم وقوف في الحر فيما بين المسجد والبيت، هكذا حدثني من رأى ذلك.
ومحبةُ الشيخ رحمه الله لأخيه تظهر في أبيات إخوانية نظمها الشيخ محمد وأرسلها للشيخ عبد اللطيف لما سافر في مهمة شرعية، قال فيها:
فإما أنختم بالفنا ولقيتموا شقيقي حليف الود مذ هو صغير
فقولوا له يهدي السلام مضاعفًا إليك محب في هواك أسير
ويهدي تحياتٍ كأن أريجها لدى النشر يا عبد اللطيف عبير
إلى آخرها
والشيخ عبد اللطيف قد تولى مناصب شرعية آخرها نائب رئيس الكليات والمعاهد العلمية (جامعة الإمام حاليًا).
وأما الشيخ عبد الملك فهو الخيِّر الصامت، الوقور الليِّن، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر جمع إلى علمه من صفات الخير وبذل المال والمعروف ما يَشْهد به له من عرفه، كان قريبًا من الشيخ وصحب الشيخ محمدًا في سفره إلى (الغطغط) لما أقام فيها الستة أشهر للدعوة والتعليم والقضاء، وكان يكتب أحيانًا للشيخ، فهو بمثابة الابن لأخيه الأكبر.
وكان رحمه الله رئيسًا لهيئات الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المنطقة الغربية.
أما زملاؤه: فأخص منهم الشيخ عبد العزيز بن صالح المرشد المولود سنة 1313هـ، كان رفيقًا للشيخ في طفولتهما، وفي شبابهما، وفي طلبهما للعلم، طلبا سويًّا، وتنقلا بين المشايخ سنيّا.
كان مما حدثني أنه استأجر هو والشيخ بيتًا صغيرًا، وضعا فيه كتبهما، استأجراه للتفرغ فيه للمطالعة فكانا يأويان إليه يحفظان ويدرسان ويتذكران، وكانت الأجرة 7 ريالات عربية.
الشيخ عبد العزيز بن صالح رحمه الله إذا جلست معه ذكرت السلف، ورأيت الزهد والتقوى، والعلم والورع، والحكمة والأخبار، وأحسبه من الزاهدين العلماء، له لهج بالدعوة دعوة التوحيد، ومحبة لأهلها، حلقة علمه بعد مغرب كل يوم دامت عقودًا من الأعوام، وليت المقام أوسع من هذا لأذكر ما أعرفه عنه فهو عَلَمٌ قلَّ من يعرف أحواله وخصاله.
دامت صحبته وزمالته للشيخ محمد إلى وفاته، وقد ذكر لي أنه ما ترك الشيخ محمدًا في دعائه أبدًا في صلاة الليل (يعني آخر الليل)، لأنها صحبة دين ومحبةٌ لله رحمهما الله، وجمعهما في الفردوس.
? حياته العلمية، ودروسه المنهجية:
¥