2 ـ إنَّ مما يساعد المرأة المسلمة على الارتقاء بذاتها إلى درجة القدوة: أن تتخذ مع اقتدائها بنبيها وسلفها الصالح ـ من بعض من تلقاه من الصالحات العالمات بدينهن مثلاً تقتدي به؛ لأنَّها لا بدَّ وأن تجد فيمن عاشرته وتلقت عنه سمتا وهديا فائقا يجذبها إليه، فتستطيع من خلال التأمل أن تقف على أفضل ما يحمله من حولها من الصالحين والصالحات من صفات، ثم تستلهم من ذلك الدافع القوي لتربية ذاتها، فقد تجد عند البعض حسن التعامل مع الآخرين .. كالصفح عن المسيء وحسن الظن ولطف الخطاب وسعة الصدر والتواضع وإنكار الذات، وقد تلمح عند أخريات الإسراع إلى فعل الطاعات وبذل الصدقات، ثم قد يجذبها عند الأخرى حسن مظهرها المتلائم مع تعاليم دينها مع احتفاظها ببهائها وجمالها ونظافتها، كل ذلك من غير إسراف ولا مخيلة.
ولهذا التوجيه أصل عظيم في كتاب الله تعالى، حيث قال الله تعالى آمراً نبيه بالنظر في أحوال وأوصاف الأنبياء قبله متخذاً هديهم أسوة له، فقال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ .. }.
3 ـ لا بدَّ وأن تكوني واضحة وصادقة مع نفسك لاكتشاف نوعية التصرف والخطأ الذي لا يصلح معه أن تكوني قدوة ويسقط هيبتك الدينية، ومن ثم انتفاعهم بكلامك، بل قد يكون ذلك سبباً في فتنة الآخرين وضلالهم تأسياً بخطاك، وذلك الأمر يتطلب الوقوف على النفس بالمحاسبة ومراجعة الذات ثم العمل على تهذيبها ومجاهدة ما شقّ عليها.
4ـ الحذر من بعض الأمور الدارجة في هذا العصر، والتي تهافت عليها الكثير من النساء لقصورهم العلمي ونقص ديانتهم، فأصبحت في بعض المجتمعات والأسر من المشاهد والظواهر المألوفة، مع مخالفتها الصريحة للدين وبيان حكم تحريمها، ولكن لغلبة ممارستها وكثرة الوقوع فيها استسهلها وتأثر بها كثير من الصالحات والقدوات، وشاكلن الجاهلات في ذلك؛ فاختلط الأمر على العامة وتلبس الباطل والمنكر بلبوس الحق والمعروف.
ومن ذلك:
أ ـ ما يتعلق بالمظهر واللباس، سواء في لبس الحجاب عند الخروج، أو لبس الثياب والزينة عند النساء، فأما مظاهر القصور والخلل في الحجاب متنوعة، منها: التساهل في لبس النقاب الواسع والبرقع، وانتشار ذلك، ولبس العباءة على الكتف والجلباب، والتساهل في ستر القدمين والساق بالجوارب، ولنا في عائشة رضي الله عنها أسوة حسنة عندما كانت تشدّ خمارها حياء من عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو ميت في قبره عندما كانت تدخل البيت الذي دفن فيه. وأمَّا التساهل في المظهر واللباس والزينة بشكل عام، فقد عمَّت به البلوى في أوساط بيوت الصالحين، وتقلَّد حملها ووزرها كثير ممَّن هم مظنة القدوات لغيرهن .. فلبسن الملابس الضيقة المحجمة لأجسادهن بشكل تأباه الفطر السليمة ويحرمه الدين القويم كما صحَّ في حديث الكاسيات العاريات. وكذلك الملابس شبه العارية التي تكشف عن أجزاء من الجسم شأنها أن تُستر، وللأسف .. لقد عظم الخطب، وقد كان النكير من قبل على عامة النساء اللواتي وقعن في هذه المظاهر الخداعة من التقليد الساذج للغرب، ولكن ـ للأسف ـ نجد هذه المظاهر انتقلت إلى كثير من الصالحات وتساهلن بها في أنفسهن وفي أهليهن.
ب ـ كثرة الخروج للأسواق والتجوال بها، وكذلك الملاهي والمطاعم التي يكثر فيها المنكرات وتجمع الفساق. والأصل قرار المرأة في بيتها لغير حاجة شرعية {وقرن في بيوتكن}.
ج ـ السفر بغير محرم، وفي الحديث المتفق عليه: "لا يحل لامرأة أن تسافر يوما وليلة إلا مع ذي محرم".
د ـ الخلوة مع الرجل الأجنبي، كالبائع في المحل والطبيب في العيادة والسائق في السيارة؛ لحديث "لا يخلون رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما".
هـ ـ التعطر عند الخروج من المنزل أو أثناء الزيارات والتجمعات النسائية وتقديم العطر والبخور لهن ومنهن من ستركب سيارتها مع سائق أجنبي يجد ريحها، ونسيت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة استعطرت فمرَّت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية".
و ـ الاختلاط بالرجال في البيوت بالجلسات الأسرية، أو إقرار ذلك أثناء جلوسها معهم، والسماح للبنات بمخالطة الشباب الذكور من الأسر القريبة، مع غياب الغيرة على الأعراض وعدم مراقبة المولى جلَّ وعلا.
ز ـ الإسراف العام في شؤون الحياة، والمبالغة في الاهتمام بالتوافه من أمر الدنيا، كتزيين المنازل واقتناء الأواني والإسراف في الملابس والحلي والولائم، على وجه التفاخر والتكاثر المحرَّم والذي غرق فيه أرباب الدنيا ـ نسأل الله العافية ـ.
5 ـ إنَّ الفرق الذي بيننا وبين أسلافنا وقدواتنا الصالحة أنَّ المسلمات كنَّ جميعاً قدوات بعضهن لبعض {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ .. }؛ وذلك بسبب قوة علاقتهن بالله تعالى، "ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف" .. كانت القلوب بالله متصلة وحريصة على تأدية أمانة هذا الدين.
والآن قلَّ أن نجد هذه البواعث فينا إلا من رحمه الله؛ لغلبة الغفلة والتعلق بالدنيا وشهواتها، وكلما بعد الزمن عن زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم ازداد هذا الجهل وقلَّ التأثر وتساهل الناس في أداء الأمانة وغابت قيادة القدوة.
قال صلى الله عليه وسلم: "وإذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".
وفي الختام أخاطب أختي المسلمة فأقول:
انظري إلى نفسك: هل تريدين الدنيا أم الآخرة؟
فإن كانت تريد الدنيا فروّضيها على حبّ الآخرة، وجاهديها على الاستعداد لها وأكثري الدعاء. وإن كانت تريد الآخرة فاغتنمي وقتك واستزيدي من العمل الصالح واضربي أروع الأمثلة وأرقى النماذج للمسلمات من بنات عصرك.
تأملي سيرة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم القدوة، ادرسيها؛ لعلها تكون زادك إلى الله والدار الآخرة، وكذلك سير أسلافك من الصالحين العابدين العالمين من رجال ونساء؛ طلباً لشحذ همتك ودفعاً لنفسك للتأسي بهم.
سائلين ربنا ومولانا جلَّ وعلا أن يتولانا فيمن تولى من عباده الصالحين، ويدخلنا برحمته في زمره أوليائه أئمة الهدى، ونسأله جلَّ وعلا أن يجعلنا للمتقين إماماً.
أسماء بنت راشد الرويشد
¥