نعم لقد كان ابننا مشروعنا القومي، فلقد عشنا من أجله ووفرنا له الأموال لتحقيق رغباته وطموحاته، ولم نمنعه من شيء، بل وضحينا في سبيل ذلك براحتنا ورغباتنا وتحملنا الكثير من المشاق، وأحيانًا الغربة الجسدية وأحيانًا أخرى الغربة الروحية بالعمل طوال اليوم، نعم ولدنا 'من أعظم الناس' هو مشروعنا القومي مأكله ومشربه وملبسه ونفقاته ورغباته ومطالبه.
لكن عفوًا سيدي لنا هنا وقفة .. ابنك ليس مدينة تبنى بل كتلة من المشاعر والأفكار والأحاسيس والتفاعلات، هل تراك أيها الأب الفاضل قد تلمست حاجات ولدك الحقيقية؟ ثم هل تراك بعد ذلك قد أحسنت ترتيب أولوياتك؟ وبعد فمن سيتبقى الآن بصحبتنا من الآباء والأمهات هم هؤلاء الذين اعتبروا ابنهم مشروعهم القومي فبذلوا له الأوقات تسبق الأموال، وأيقنوا أن الجانب النفسي والعاطفي والفكري له الأولوية في تحقيق التوازن النفسي والاقتراب من تحقيق صورة الكمال في تنفيذ المشروع القومي.
لكننا سنجد من بين هؤلاء الآباء والأمهات من ما زالت لديهم تلك الشكاوى وهذه الدهشة التي تعتريهم أحيانًا من تصرفات أولادهم ومن تغيرات سلوكياتهم خاصة عند انتقالهم من مرحلة إلى أخرى في فترات عمرهم فإلى هؤلاء نقول:
* إنه لا بد لوصول الآباء والأمهات إلى الصواب في التعامل مع أبنائهم إلى تأمل القرآن الكريم والسنة النبوية، وقراءة كتب أهل العلم التي تتكلم عن كيفية تربية الأبناء تربية إسلامية،والاتصال بذوي الاختصاص من علماء الشريعة والمختصين بالتربية للنشء المسلم ممن يتمتعون بقاعدة علمية شرعية قوية، ومن أصحاب الخبرة والمشهود لهم بالعمل الدعوى الواقعي عميق الأثر في المجتمع المسلم إن دعت الحاجة.
* ولا بد لك أيها الأب الفاضل والأم الفاضلة من مراعاة الاعتدال والتوازن في التعامل مع الظواهر الخاصة بالابن ... وفيما يلي بعض من هذه الإشارات بين الإفراط والتفريط.
1ـ بين السطحية والعمق:
في تعامل كثير من الآباء والأمهات مع تصرفات الأبناء نجد أنها تفتقد التوازن بين الإفراط في السطحية أو العمق، والتفريط فيها. ويتمثل ذلك في الصور الآتية:
أـ تضخيم التصرفات غير المتكررة أو بعض الكلمات التي تخرج من الابن بصورة عفوية لكن غير مقصودة، والتعامل مها على أنها أمراض متأصلة، واتخاذ الإجراءات للقضاء عليها، مما يعطي شعور التربص وتصيد الأخطاء عند الأبناء.
ب ـ التعامل مع التصرفات المتكررة بصورة سطحية أو لا مبالاة إما لعدم اعتبارها مؤشرات على مشاكل تبدأ في النمو أو لاعتقاد أنها طبيعية في هذه المرحلة التمردية فلا حاجة للانشغال بها وعلاجها وتنبه 'فمعظم النار من مستصغر الشرر'.
2ـ بين رغباتنا ورغبات أبنائنا:
كم تختلط الأفهام وتتوه الحقائق وسط الرغبات والأماني الأحلام، وإني لمقدر بشدة لحقيقة سيطرة الأحلام والأمنيات على بعض الآباء، فقد عِشت أخي الأب العمر كله ترجو تحقيق هذا الحلم لكن ابنك إنسان له آماله وأحلامه وأمنياته.
فكن معه ولا تكن عليه، ولأن يحقق ولدك 'من أعظم الناس' رغباتك بمحض إرادته أفضل من أن تقوم بإلزامه بتحقيقها مكرهًا ثم يحملك عواقبها فتسوء العلاقة بينكما.
3ـ بين العقاب والثواب:
وهذه من أكثر المواقف التي يحدث فيها الخلل في الاتزان بين الإفراط والتفريط وذلك عن طريق:
أ ـ وسائل العقاب فمنها ما أنكره الشرع من تعيير الابن المستمر بخطأ ارتكبه مثلاً.
ب ـ درجة العقاب بحيث لا يكون على مستوى الخطأ زيادة أو نقصًا وإهمالاً.
ج ـ تخصيص بالعقاب أن يعاقب الابن على ما يفعله أبوه كالتدخين مثلاً.
د ـ عدم الإثابة على الفعل الحسن بالكلمة أو الفعل أو الإشارة.
و ـ شكل العقاب بإهانته أمام الآخرين وفضحه.
هذه فقط لمحات قليلة لك أخي الأب أختي الأم، كل غرضي منها أن نتنبه أننا قبل أن نربي أبناءنا بأشد الاحتياج إلى تربية أنفسنا، وإذا كنا لا نعرف دواخل أنفسنا ودوافعها فكيف بمعرفتنا لأبنائنا فهم كالأغراب، وهم ينامون بجوارنا. لا تدع ابنك يحلم وينمو ويكبر بمفرده فتفاجأ فيما بعد بولدك هذا الحلم العظيم الذي داعب خيالك عندما حملته مضغة لحم ينقلب إلى كابوس جاثم ناقم عليك لا تملك عليه سيطرة، وتنبه فالقاعدة تنص على:
'إن أخلاق المراهق وتصرفاته تعكس أسلوب تربيته وهو طفل'.
إننا بحاجة إلى فهم دوافع الابن في تصرفاته في مرحلة المراهقة وحقيقة هذه الدوافع وأسبابها، ثم واجبنا تجاه هذه التصرفات وكيف نستثمرها وندفع بها في طريق تحقيق الأحلام والرغبات، أو بالأصح تكوين الشاب والفتاة الناضجين مكتملي النمو العقلي والنفسي والجسدي، ونحن في ذلك نتعلم كما يتعلم أبناؤنا، ونستفيد كما يستفيدون ونحتاج إلى إعادة تصويب أفكارنا وتصوراتنا باستمرار فنحن أمام مشروع قومي لا يجوز الانشغال عنه بأي حال من الأحوال، وعفوًا نسوق لكم المشهد الأخير لنقرب البعيد ونتذكر وعد الله تعالى الذي وعد به كل أب وأم جزاءً لهما على حرصهما على بناء مشروعيهما القومي، وبذل الجهد كله لتحقيق كماله.
* المشهد الأخير:
ابن يقدم أمه وأباه على زوجته ويبرهما في كبرها يسأل عليهما يكرمهما، ولا يهينهما، يبر أقرباءهما وأصدقاءهما، يدعو لهما، يخدمهما، وهو سبب شرفهما، وقرة عينهما وفخر قلوبهما في الدنيا بما حققه من استكمال مستلزمات وظيفة الاستخلاف في لأرض، وفي الآخرة بالشرف الكريم، إذ يلبسان حلة الكرامة وتاج الكرامة، فيقال: بم هذا؟ فينادي بأخذ ولدكما القرآن.
فكم تهون حينذاك تلك الساعات الطوال المبذولة في الانشغال بمعاناته ومشاركته فكره والصبر عليه، وتنبه فكما تقول عند الإفطار في الصيام: 'ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله' فها هنا نقول: 'ذهب الأرق، والقلق والألم والمعاناة، وأنس القلب وفرح وانشرح الصدر، وثبت الأجر إن شاء الله.
فهنيئًا لمن رُزِق بكنز فحافظ عليه وأدى أمانته فكوفئ جزاء أمانته وصبره، {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (فصلت:35)
*الموضوع منقول
ولكنه تعرض لتصرف بسيط
¥