تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- أم سالم بنت مالك الراسبية البصرية وهي تابعية من الثانية، قد أدركت أم المؤمنين عائشة وروت عنها، وفي تهذيب التهذيب وغيره: (أحرمت أم سالم من البصرة سبع عشرة مرة) .. فهذه التابعية رحلت إلى الحجاز مرات عديدة، وتحملت عن عائشة رضي الله عنها، فلا نتوقف كثيرًا لنجزم أن ذهابها المدينة كان أيضًا للعلم، والحج كان أنسب وقت للطلب، إذ كل عقبات التنقل بالنسبة للمرأة تذلل أثناء الحج، للتأهب العام الذي يكون الناس عليه للقيام بالشعائر، وتأمن المرأة من خلاله على نفسها، وتؤدي مهمتها العبادية أحسن أداء، فقد كان الحج بالنسبة لطلاب العلم المهتمين بالحديث خاصة ملتقى سنويًا للتحمل والأداء والحفظ والتثبت وحيازة العوالي من الأسانيد.

2 - جسرة بنت دجاجة: تابعية ثقة، روت عن أبي ذر سماعًا عن عائشة، كما روت عن علي بن أبي طالب، وأم سلمة رضي الله عنهم جميعًا .. وقد أخبرت جسرة عن نفسها أنها اعتمرت نحوًا من أربعين عمرة، ورأت أبا ذر بالربذة. فهذه الراوية التابعية جعلت من الأربعين عمرة التي أدتها بعثات علمية، تسمع من خلالها عمن لقيتهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقها إلى البقاع المقدسة كالربذة عند سماعها أبا ذر، أو في مكة أو المدينة عندما سمعت من أم سلمة، وهي من أهل الكوفة. فأسفارها الأربعون وإن سميت عمرة فما هي إلا رحلات علمية في طلب الحديث.

- وقد روى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خصوصًا في مواسم الحج جيل من النساء من مختلف الأمصار، ورواياتهن تشير إلى أن السماع أو اللقيا كانت أثناء مناسك الحج، أو أنهن دخلن عليها، وسألنها في مختلف القضايا .. ولا غرابة أن تكون معظم رواياتهن عن عائشة، حيث إن من رغب في حيازة علم ركز على أشهر حامل له، وهذا ما توفر فيها رضي الله عنها، وفي تلميذاتها من بعدها: عمرة بنت عبد الرحمن، وعائشة بنت طلحة، وغيرهما.

وهذه بعض النصوص التي تفيدنا في أمر سماع النساء في موسم الحج، أو انتقالهن إلى المدينة المنورة للزيارة.

- ذقرة بنت غالب الراسبية البصرية (39)، أم عبد الرحمن بن أذينة قاضي البصرة، روت عن عائشة قالت: كنا نطوف البيت مع أم المؤمنين، فرأت على امرأة بردًا فيه تصليب، فقالت: (اطرحيه، اطرحيه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى نحو هذا قَضَبه) (40).

- زينب امرأة قيس بن أبي حازم (41): روت عن عائشة رضي الله عنها، وروى عنها زوجها قيس بن أبي حازم، وهو كوفي، ما كان بالكوفة أحد أروى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منه .. وامرأته وهي تروي عن عائشة، لا شك ذهبت إليها المدينة وسمعت منها هناك.

- وذكر ابن سعد (42): أن تميمة بنت سلمة أتت عائشة في نساء من أهل الكوفة، قالت: (فسألتها امرأة منا: المرأة تصيب من بيت زوجها شيئًا بغير إذنه، فغضبت وقطبت وساءها ما قالت، وقالت: (لا تسرقي منه ذهبًا ولا فضة، ولا تأخذي منه شيئًا).

- أم الكرام: حجت فلقيت امرأة بمكة كثيرة الحشم، ليس عليها حلي إلا الفضة، فسألتها، فقالت: (كان جدي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه وعلي قرطان من ذهب، فقال: شهابان من نار) (43).

- وأم الدرداء الصغرى هجينة العالمة الفقيهة زوج أبي الدرداء، تروي عن عائشة أم المؤمنين (44)، ومن المعلوم أن عائشة لم تقدم دمشق أصلاً كما ذكر الذهبي في السير (45)، وأن أم الدرداء كانت تقطن دمشق، وقد حجت سنة (83هـ) بينما توفيت أم المؤمنين سنة (58هـ) على الصحيح، فهذا يلزم منه أن تكون أم الدرداء رحلت المدينة في غير حج، وسمعت من أم المؤمنين عائشة.

ونصوص أخرى (46) فيها دلالة على أن المرأة رحلت لحج أو زيارة فسمعت وروت، وروي عنها، ذكرنا ما يكفي منها لبيان أن الحج كان فرصة ثمينة للنساء للتحصيل والرواية.

وإن لم تشتهر رواية النساء في هذا، فلأن أصحاب الحديث لهم شروطهم في قبول الروايات واعتمادها، لكن متون الكتب غنية بمثل هذه النصوص التي قد لا تفيد طلاب الأحكام الشرعية والفتاوى، لكن هي قيمة جدًا لمن يهمه سير الحياة العامة للمسلمين في تلك العهود .. وباستنطاق هذه النصوص، لا شك نحصل على شكل الحركة العلمية والاجتماعية.

ثم نلاحظ أن الرحلة في بادئ الأمر، اقتصرت على المدينة لفضلها، ومدار العلم فيها على أمهات المؤمنين وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء والرجال، ثم كان أن انتشر كثير من الصحابة عبر الأمصار خاصة المشتغلين بالرواية والتعليم، ثم بعد وفاة أمهات المؤمنين أي ما بعد (62هـ)، نلاحظ أن الرواية بدأت في التخصص، نقصد بذلك أنه أصبح هناك مراكز علمية غير المدينة كالكوفة، لأن فيها أصحاب عبد الله بن مسعود، والبصرة لأن فيها أصحاب أنس بن مالك، والشام لأن فيها أصحاب معاذ بن جبل وأبي الدرداء، ومصر فيها أصحاب عبد الله بن عمرو بن العاص، فبدأ يحدث نوع من التوازن في الرواية، وخف التركيز في الطلب على المدينة إلا لمن علت همته وطمحت نفسه إلى الإسناد العالي أو بيان علة أو التحقق من رواية .. وعلى هذا، طبيعي أن تخف الرحلة وخاصة لدى النساء، لوجود ما يغني من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصرهن.

وشيء آخر يفسر تراجع الرحلة لدى النساء في أواخر القرن الثاني والقرن الثالث، أن هذه الفترة بالذات هي عصارة الجهود الأولى، وذروة الجمع والتدوين والتصنيف، وكان روادها الجهابذة من الحفاظ، الأمر الذي لم يترك مجالاً للنساء، خاصة وأنه لم تنجب لنا الأمة فيما بعد من كانت مثل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فطبيعي أن تضمر الجهود البسيطة لصالح الجهود الجبارة.

http://www.islamweb.net/ver2/Library/ummah_ShowChapter.php?lang=A&BabId=7&ChapterId=7&BookId=270&CatId=201&startno=

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير