والأمَة على النصف في العورة لما رواه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة. وحسّنه الألباني وزاد نسبته للإمام أحمد.
وإذا كان ذلك في الأمَة التي هي على النصف من الحرة في الحدِّ والعورة وغيرها، فالحُرّة لا شك أنها ضِعف الأمَة في الحدِّ والعورة وغيرها مع المحارم والنساء.
قال البيهقي: والصحيح أنها لا تبدي لسيِّدها بعدما زوّجها، ولا الحرة لذوي محارمها إلا ما يَظهر منها في حال المهنة. وبالله التوفيق.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء، كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه إن الحرة تحتجب، والأمَة تبرُز، وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمَة مختمرة ضربها، وقال: أتتشبهين بالحرائر! أيْ لكاع. فَيَظْهَر من الأمَة رأسها ويداها ووجهها … وكذلك الأمَة إذا كان يُخاف بها الفتنة كان عليها أن ترخي من جلبابها وتحتجب، ووجب غض البصر عنها ومنها، وليس في الكتاب والسنة إباحة النظر إلى عامة الإماء ولا ترك احتجابهن وإبداء زينتهن، ولكن القرآن لم يأمرهن بما أمر الحرائر … فإذا كان في ظهور الأمَة والنظر إليها فتنة وجب المنع من ذلك كما لو كانت في غير ذلك، وهكذا الرجل مع الرجال، والمرأة مع النساء: لو كان في المرأة فتنة للنساء، وفى الرجل فتنة للرجال لَكَانَ الأمر بالغض للناظر من بَصَرِهِ متوجِّها كما يتوجَّه إليه الأمر بِحِفْظِ فَرْجِه. انتهى كلامه – رحمه الله –.
وقول عمر هذا. قال عنه الألباني: هذا ثابت من قول عمر رضي الله عنه.
وهذا الفعل من عمر رضي الله عنه من أقوى الأدلة على اختصاص الحرائر بالحجاب – الخمار، وهو غطاء الوجه – دون الإماء، وأن من كشفت وجهها فقد تشبّهت بالإماء!.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –: بل كانت عادة المؤمنين أن تحتجب منهم الحرائر دون الإماء.
وما أعظم ما تفتتن به النساء بعضهن ببعض، خاصة الفتيات في هذا الزمن، فيما يُسمّى بالإعجاب نتيجة التزيّن والتساهل في اللباس ولو كان أمام النساء، والشرع قد جاء بتحصيل المصالح وتكميلها، وتقليل المفاسد وإعدامها.
ومما يَدلّ على أنه لا يجوز للمرأة أن تُبدي شيئاً مِن جسدها أمام النساء إلا ما تقدّم ذِكره من مواضع الزينة ومواضع الوضوء إنكار نساء الصحابة على من كُنّ يدخلن الحمامات العامة للاغتسال، وكان ذلك في أوساط النساء.
والحمام هو مكان الاغتسال الجماعي سواء للرجال مع بعضهم، أو للنساء مع بعضهن.
وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: الحمام حرام على نساء أمتي. رواه الحاكم، وصححه الألباني.
وقد دخلت نسوة من أهل الشام على عائشة رضي الله عنها فقالت: لعلكن من الكُورَة التي تدخل نساؤها الحمّام؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها، فقد هتكت سترها فيما بينها وبين الله عز وجلّ. رواه الإمام أحمد وغيره، وهو حديث صحيح.
ولذا كان عمر رضي الله عنه يكتب إلى الآفاق: لا تدخلن امرأة مسلمة الحمام إلا من سقم، وعلموا نساءكم سورة النور. رواه عبد الرزاق.
ومثل الحمامات: النوادي النسائية التي يُنادي بها أشباه الرجال فإن النساء تُمارس فيها " الرياضة " وتنزع المرأة ثيابها من أجل السباحة.
ومثلها المشاغل النسائية وما يدخل في حُكمها.
فإذا كانت المرأة تُمنع من دخول الحمّام، ولو كان خاصاً بالنساء، وتُمنع من نزع ثيابها ولو بحضرة النساء، كان من المتعيّن أن عورة المرأة مع المرأة كعورة المرأة مع محارمها، لا كعورة الرجل مع الرجل فلا تُبدي لمحارمها ونساءها إلا مواضع الوضوء والزينة، وهي: الوجه والرأس والعنق واليدين إلى المرفقين والقدمين.
ثم لو افترضنا – جدلاً – أن عورة المرأة كعورة الرجل مع الرجل. لو افترضنا ذلك افتراضاً.
فأين ذهبت مكارم الأخلاق؟
أليس هذا من خوارم المروءة؟
إن عورة الرجل مع الرجل من السرة إلى الركبة، ومع ذلك لو خرج الرجل بهذا اللباس لم يكن آثما، إلا أنه مما يُذمّ ويدعو إلى التنقص.
فإن الأطفال بل والمجانين لا يخرجون بمثل هذا اللباس!
بل حتى الكفار الذين لا يُراعون دين ولا عادة لا يلبسون مثل هذا اللباس عند ذهابهم لأعمالهم أو اجتماعاتهم ونحو ذلك.
فلو كان لباس المرأة كذلك. فأين مكارم الأخلاق؟
هذا بالإضافة إلى أنه تبيّن مما تقدّم من الأدلة أن عورة المرأة مع المرأة ليست كعورة الرجل مع الرجل.
إن نساء السلف حرصن على عدم لبس ما يشف أو يصف، ولو كُنّ كباراً.
ولذا لما قَدِمَ المنذر بن الزبير من العراق فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر بكسوة من ثياب رقاق عتاق بعدما كف بصرُها. قال: فلمستها بيدها، ثم قالت: أف! ردوا عليه كسوته. قال: فشق ذلك عليه، وقال: يا أمه إنه لا يشف. قالت: إنها إن لم تشف، فإنها تصف، فاشترى لها ثيابا مروية فقَبِلَتْها. رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى.
وبناء عليه فيُمنع من لبس الضيق والشفاف حتى في أوساط النساء وعند المحارم.
والله أعلم.
¥