بدأ "الرافعي" حياته الأدبية شاعرًا، وكان لا يتجاوز التاسعة عشرة من عمره، وأخذ ينشر شعره ومقالاته في المجلات التي كانت تصدر آنذاك، وقد أخرج الجزء الأول من ديوانه سنة 1900م، ثم تلاه الجزآن الثاني والثالث، ومن هنا دخل "الرافعي" إلى مجال الشهرة الأدبية؛ إذ تبنى نشر شعره الشيخ "ناصيف البازجي" في مجلة (الضياء) سنة 1903م.
ثم أخرج "الرافعي" بعد ذلك ديوان (النظرات) سنة 1908م، ثم كتب في تاريخ آداب العرب وإعجاز القرآن والبلاغة النبوية، وأضاف إلى العربية فنًا جديدًا من فنون النثر لم يسبقه إليه أحد، وهو فن الرسالة الأدبية وذلك من خلال كتبه الثلاثة "رسائل الأحزان" و"السحاب الأحمر" و"أوراق الورد"، ومن الإنتاج المتميز للرافعي كتاباه: "تحت راية القرآن"، و"وحي القلم"
ثقافته وتأثره بالتراث
على الرغم من أن "الرافعي" درس اللغة الفرنسية في المدرسة الابتدائية إلا أنها لم تجد عليه إلا قليلاً، بل أخذ "الرافعي" ينمي ثقافته بعصاميته كما ذكرنا سابقًا، وقد وضع كتب التراث أساسًا ومحورًا لها بالإضافة إلى بعض القراءات المترجمة، لكن ظل التراث نبعًا ثريًّا ينهل منه حتى إنه استطاع بفضل الله أن يكتب "تاريخ آداب العرب" من وحي ذاكرته التي جمع فيها شتات قراءاته.
وهذا ما أشار إليه الأستاذ "سعد العريان" في مقدمة كتابه (حياة الرافعي): "وهممت أن أسأل "الرافعي"، ولكني لم أفعل، وهممت أن أعرفه بنفسي فلم أبلغ، ثم عزوت ذلك إلى ذاكرة "الرافعي" وسرعة حفظه فقلت متفرقات قد عرفها في سنين متباعدة فوعتها حافظة واعية، وكان مستحيلاً عليه أن يجمعه، لو لم تُجمع له الذاكرة من ذات نفسها".
وهكذا وصل "الرافعي" بعمق ثقافته في التراث إلى أن يكتب كتابًا من ذاكرته، يقع في ثلاثة مجلدات، وما هو إلا توفيق الله له؛ أعانه على أن يبعث أروع الأدب في هذه الأمة من جديد.
ويتضح هذا من خلال قوله لأحدهم: "وما أرى أحدًا يفلح في الكتابة والتأليف إلا إذا حكم على نفسه حكمًا نافذًا بالأشغال الشاقة الأدبية، كما تحكم المحاكم بالأشغال الشاقة البدنية، فاحكم على نفسك بالأشغال الشاقة سنتين أو ثلاثًا في سجن الجاحظ أو أدب أبي العلاء المعرى أو غيرهما".
ومن هنا نلمس كيف كان "الرافعي" حريصًا على أن تكون كتب التراث في مقدمة ثقافة الدارسين للغة والآداب؛ حتى يرتكز الأديب على ركن أصيل وتراث زاخر يحميه من كل الأفكار الوافدة التي قد تعصف به وتجعل منه لسانًا للعجمة، كما حدث مع الكثرة ممن انسلخوا من تراثهم وحاولوا أن ينالوا من هذه اللغة ومن أصالتها، وقد وقف "الرفعي" لأصحاب هذه الدعوات بالمرصاد، وقامت بينه وبينهم معارك أدبية، خاضها "الرافعي" مدافعًا عن العربية والإسلام دفاع المستميت.
سمات أدب "الرافعي"
نستطيع أن نبين أهم السمات والملامح التي تميز بها أدب "الرافعي" كما يلي:
أولاً: الأصالة الإسلامية:
من أولى السمات وأبرزها وأوضحها في آداب "الرافعي" السمة الإسلامية، وهي تتضح منذ نشأته وحتى مماته .. فبيته الذي نشأ فيه غرس فيه الروح الإسلامية، وظل ناشئًا معها محاطًا بها في كل أطوار حياته، ونرى السمة الإسلامية في نقده وثقافته، وفي إبداعه؛ وهو ما يدل على أنه كان يبغي وجه ربه في كتاباته، ومن هنا علَّق على نشيده "ربنا إياك ندعو" فقال: إني أعلق أملاً كبيرًا على غرس هذه المعاني في نفوس النشء المسلم، فالرجل لم يكتب لشهرة ولا لمال ولا لمنصب؛ وإنما كان الإسلام هو دافعه وموجهه.
ثانيًا: أصالة المعاني والألفاظ:
إن من يقرأ أدب "الرافعي" ويتمعن في سمو معانيه ودقة ألفاظه يقول: إن هذا الرجل لم يعشْ في القرن العشرين؛ وإنما عاش معاصرًا للجاحظ وابن المقفع وبديع الزمان، والدليل على ذلك أنه ما وُجد أديب معاصر له قارب أسلوبه أو لغته أو فنه، وكان هذا دافعًا لوجود أعداء كثيرين له، بل لقد عاداه الكثير من أدباء عصره حيًّا وميتًا، ولم يذهب واحد من خصومه معزيًا أهله في وفاته، إلا رجل واحد كتب برقية إلى ولده؛ هو الدكتور "طه حسين".
ثالثًا: القوة في الحق:
¥