تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أنا أشد منك وجعًا على رسالتك أيها الشافعي الإمام؛ ولكن ... !

ـ[المستشار]ــــــــ[20 - 06 - 05, 06:39 ص]ـ

كنتُ كغيري من عشاق تراثنا الإسلامي قد توجعنا وتألمنا لتورُّط أحد كبارهم من نحو عقدين من الزمان في سرقة واحدة من أندر وأقدم المخطوطات التراثية التي وصلتنا، وهي نسخة كتاب الرسالة للإمام الشافعي رحمة الله عليه، والتي أملاها قبل موته، وكتبها تلميذه الربيع بخطه.

وسيأتي كيف عُنى علماء الإسلام بهذه النسخة، وحرصوا على كتابة سماعاتهم عليها، وتسجيل أسماءهم، بل منهم من كان يعيد اسمه عليها أكثر من مرة كابن عساكر مثلاً كما سيأتي في كلام د. أيمن فؤاد السيد.

ثم جاءت لنا أيامُنا بالبشرى، حين أنبأتنا عن خبر العثور على النسخة في (ألمانيا) وهي تُباع هناك بعد سرقتها من دار الكتب المصرية، وأنه قد اتخذت الإجراءات اللازمة بحمد الله لإعادة النسخة إلى دارها ومسقط رأسها مرة أخرى.

بيد أن صباحي هذا كان يخفي لي شيئًا آخر، فقد أشار د. أيمن فؤاد السيد أن النسخة قد اختفت في ظروف غامضة في عام 2002 من الميلاد، يعني من نحو عامين تقريبًا.

فأفسد عليَّ النبأ - الذي لم أعلم به قبل الساعة - حلاوة الشعور بإشراقة الشمس الجديدة في صباحٍ جديد، وعاد بي إلى الوارء، وذكريا الألم والتوجع في الماضي.

ويظهر أن السارق قد لمس حلاوة النسخة فلم يتركها، ولعله ذاق طعم تملّكها فتربَّص لها، والله من ورائهم محيط.

وقد رأيتُ أن أنقل كلام د. أيمن فؤاد السيد حول قيمة النسخة وتاريخ نسخها والسماعات التي عليها والإشارة لاختفائها في العام المشار إليه، وذلك من ورقتِه التي تقدم بها للمؤتمر الدولي الأول للمخطوطات بجامعة الإسكندرية والذي كان بعنوان: (المخطوطات الألفية).

يقول د. أيمن فؤاد السيد في هذا الشأن:

((وأقْدَم مَخْطوطات دار الكتب، نُسْخَة كتاب "الرِّسالة" للإمام محمد ابن إدريس الشَّافِعى، المتوفى سنة 204هجرية، وهو أقْدَم مَخْطُوطٍ وَصَلَ إلينا على الكاغَد (الوَرَق) وهو من بين مجموِعة مصطفى فاضِل باشا وكان محفوظاً فى الدار برقم 41 أصُول فِقه م، وأقول كان مَحْفوظاً لأنَّه فُقِد للأسف فى ظُروفٍ غير واضحة فى عام 2002 ميلادية? وقد كُتَبت هذه النُّسْخَة فى حياة الشَّافِعى نفسه من إملائه تلميذُه الرَّبيع بن سليمان، أى قبل عام 204 هجرية تاريخ وفاة الشَّافعى، وكان الرَّبيع ما يزال فى الثلاثين من عمره. واحْتَفَظ الرَّبيعُ بهذا الأصْل لنفسه وكان ضَنيناً به لم يأذَن لأحَدٍ فى نَسْخه حتى إذا ما بَلَغَ التسعين سنة 265هجرية أذِنَ بذلك وكَتَبَ بيده إجازَةً فى آخر النُّسْخَة هى دون شك بنفس اليد التى كتبت النُّسْخَة، والفَرْقُ بين الخَطَّيْن هو فَرْقُ السِّن وعُلُوها يقول فيها:

" أجازَ الرَّبيعُ بن سليمان صَاحب الشَّافِعى نسْخ كتاب الرِّسالة، وهى ثلاثة أجزاء فى ذِى القعدة سنة خمس وستين ومائتين وكتب الربيع بخطه".

وما يَدُلّ كذلك على أن هذه النسخة جميعها بخط الربيع بن سليمان ما كتبه بخطه الحافظ هِبَة الله بن أحمد بن محمد الأكْفانى، المتوفى فى المحرم سنة 524 هجرية/ ديسمبر سنة 1129 ميلادية عن ثمانين عاماً، فوق عنوان الجزء الأوَّل والجزء الثالث منها ونصّه:

"الجزء الأوَّل من الرِّسالَة لعبد الله الشافعى بخط الربيع صاحبه".

وهذه النسخة فى غاية النَّفاسَة احْتَفَلَ بها كبارُ العلماء والأئمة والحُفَّاظ من سنة 394 هجرية إلى سنة 656 هجرية وأثبتوا عليها خطوطهم وسماعاتهم، بل أثبتوا أنَّهم صَحَّحُوا نسخهم وقابلوها عليها، وحرصوا على إثبات سماعهم فيها طُلاّباً صغاراً ثم إسماعهم إيَّاها لغيرهم شيوخاً كباراً، وتسابقت الأسر العلمية الكبيرة إلى سماعها وسَجَّلُوا أسماءهم عليها؛ فقد تداوَل هذه النَّسْخة بالقراءة والاطِّلاع والإفادة علماء كبار سَجَّلوا عليها خطُوطهم بالسَّماع والقِراءه والتملُّك من أمْثال الحافِظ الحُمَيْدى والحافظ بن ماكولا والحافظ أبى الفِتْيان الدَّمَسْتانى والحافظ الكبير على بن الحسن بن عَسَاكِر والحافظ عبد القادر الرَّهاوى والحافظ تاج الدين القرْطُبى والحافِظ زكى الدِّين البِرْزالى. ولم يكتف الحافظ بن عَسَاكِر بتسجيل اسْمه فى السَّماعات، بل كتب بخطه أربع مرات على النسخة: "يسَمعَ جميعه وعارَضَ بنسخته على بن الحسن بن هبة الله".

وعَدَد أوْراق هذه النسخة 78 ورقة منها 62 ورقة هى أصْل الكتاب الذى بخط الرّبيع والباقى، وهو 16 ورقة، زيدت فى أوَّلها وآخرها ووسطها كتب به السّماعات وغيرها)).

انتهى كلامُه وكلامي، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنَّا لفراق دارك أيتها النسخة لمحزونون، والله على إرجاعك قادرٌ، وسننتظر عودتك، دون مللٍ أو يأس؛ فلا تذهبي بعيدًا ..

والسلام عليكِ أينما حلَلْتِ، وشُلَّتْ يدُ الجاني أينما كان!!

ـ[المستشار]ــــــــ[20 - 06 - 05, 07:45 ص]ـ

فأفسد عليَّ النبأ - الذي لم أعلم به قبل الساعة - حلاوة الشعور بإشراقة الشمس الجديدة في صباحٍ جديد، وعاد بي إلى الوارء، وذكريا الألم والتوجع في الماضي

تصحيح:

لم أعلم به قبل الساعة = لم أكن أعلم به قبل الساعة.

وذكريا = وزكريات.

وأرجو لو تكرم القائم بأعمال الإشراف هنا بإرفاق هذه التصحيحات في مواضعها، ثم يحذف هذا التنبيه، وله الشكر سلفًا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير