وكل اسم من أسمائه يدل على الذات المسماة، وعلى الصفة التي تضمنها الاسم، كالعليم يدل على الذات والعلم، والقدير يدل على الذات والقدرة، والرحيم يدل على الذات والرحمة. ومن أنكر دلالة أسمائه على صفاته ممن يدعي الظاهر، فقوله من جنس قول غلاة الباطنية القرامطة الذين يقولون: لا يقال: هو حي، ولا ليس بحي، بل ينفون عنه النقيضين؛ فإن أولئك القرامطة الباطنية لا ينكرون اسمًا هو علم محض كالمضمرات، وإنما ينكرون ما في أسمائه الحسنى من صفات الإثبات، فمن وافقهم على مقصودهم كان مع دعواه الغلو في الظاهر موافقًا لغلاة الباطنية في ذلك". اهـ
"شرح مقدمة أصول التفسير"، ص21، 22.
ويوجز ابن القيم، رحمه الله، ما تقدم، في كلمة جامعة في "بدائع الفوائد" فيقول:
"إن الاسم من أسمائه له دلالات دلالة على الذات والصفة بالمطابقة ودلالة على أحدهما بالتضمن ودلالة على الصفة الأخرى باللزوم". اهـ
ونحوها قول ابن تيمية رحمه الله:
"إن كل اسم من أسمائه يدل على ذاته، وعلى ما في الاسم من صفاته، ويدل أيضًا على الصفة التي في الاسم الآخر بطريق اللزوم". اهـ
ومن أمثلة ذلك في علم النحو:
دلالة العلم المنقول من: وصف، أو مشتق منه، أو اسم جامد، على مسماه:
فالوصف كـ: "الفضل" إذا سمي به فإنه يدل على المعنى المقصود الذي دلت عليه: "أل" التي يلمح بها الأصل: دلالة مطابقة، إذ المصدر يدل على المعنى دلالة كلية، فلا يدخل في أصل وضعه: دلالة على ذات فاعلة له أو متصفة به، أو زمن يحصل فيه المعنى الذي يدل عليه.
والمشتق كـ: "الحارث" إذا سمي به فإنه يدل على المعنى المقصود الذي دلت عليه: "أل" التي يلمح بها الأصل: دلالة تضمن، إذ اسم الفاعل المشتق يدل على معنى وذات فاعلة له أو متصفة به.
والاسم الجامد كـ: "النعمان" إذا سمي به فإنه يدل على المعنى المقصود الذي دلت عليه: "أل" التي يلمح بها الأصل: دلالة التزام، فإنه موضوع للدم والحمرة، وهي الوصف المقصود، لازمة له. كما أشار إلى ذلك الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، رحمه الله، في حاشيته: "منحة الجليل" على "شرح ابن عقيل" رحمه الله.
ومن ذلك أيضا: دلالة الفعل:فهو يدل على المعنى الذي اشتق منه: دلالة تضمن، وكذلك يدل على زمن وقوعه: دلالة تضمن، ويدل على كليهما: دلالة مطابقة، ويدل على الذات التي قام بها: دلالة لزوم فهي خارجة عن ماهيته، ولكن لا يتصور انفكاكهما، فلكل فعل فاعل، ولكل حدث محدِث، ولكل سبب مسبِب.
فالفعل: "رحم": يدل على صفة الرحمة: دلالة تضمن، وعلى وقوعها في الزمن الماضي أيضا: دلالة تضمن، وعلى كليهما: دلالة مطابقة، وعلى ذات الراحم التي قام بها وصف الرحمة: دلالة لزوم.
والفعل: "يرحم": يدل على صفة الرحمة: دلالة تضمن، وعلى وقوعها في الزمن الحاضر أو المستقبل أيضا: دلالة تضمن، وعلى كليهما: دلالة مطابقة، وعلى ذات الراحم التي قام بها وصف الرحمة: دلالة لزوم. وعلى هذا فقس.
ولذلك كان الفعل أثقل من الفعل لازدحام الدلالات فيه، فهو يدل بوضعه على: حدث وزمن، فدلالته ثنائية.
بخلاف الاسم فإنه:
إن كان دالا على معنى كالمصدر: فلا يدل بوضعه إلا على ذلك المعنى فقط، فدلالته الوضعية: أحادية، بخلاف دلالة الفعل الثنائية.
وإن كان دالا على ذات دلالة العلم على مسماه: فلا يدل، أيضا، إلا على ذلك المسمى فقط، وإن كان في نفسه مشتقا يدل على معنى اشتق منه، كـ: "كريم"، فإنه مشتق من معنى الكرم، ولا التفات إلى ذلك إذا نظرنا إلى دلالته العلمية دون دلالته الوصفية، فهو أحادي الدلالة، أيضا، إذ قد يسمى أبخل الناس: كريما، فيكون الاسم المشتق دالا عليه دلالة الاسم الجامد على مسماه، فلا التفات إلى الاشتقاق عندئذ، وهذا إن جاز في حق البشر، فإنه لا يجوز في حق رب البشر، عز وجل، فأسماؤه كما تقدم: أعلام وأوصاف تدل على قيام المعاني التي اشتقت منها بذاته القدسية: قيام الصفات بالموصوف.
¥