فهي تدل على ذاته الشريفة: دلالة تضمن، وعلى الصفات التي اشتقت منها: دلالة تضمن، أيضا، فصفة الحمد غير صفة محو الكفر غير صفة الحشر .............. إلخ، وتدل على كليهما: دلالة مطابقة، وتدل على صفة الحياة: دلالة لزوم، إذ تلك الأوصاف مما لا يقوم إلا بحي.
ومنه أيضا: أسماء القرآن:
فهي تدل على مسمى واحد من جهة علميتها، وعلى الصفات التي اشتقت منها: تضمنا، وعلى كليهما: مطابقة.
فـ: "القرآن"، و: "الفرقان"، و: "الهدى"، و: "الشفاء"، و: "البيان"، و: "الكتاب"، أعلام على الوحي المنزل، ولكن كل اسم يدل على وصف بعينه يميزه عن بقية الأسماء.
فالقرآن: من القرء وهو الجمع فحروفه مجموعة خطا، أو القراءة، فيكون من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول: "المقروء"، فحروفه وكلماته وآياته وسوره مجموعة إلى بعضها نطقا.
والفرقان: من جهة كونه فرقانا بين الحق والباطل.
والهدى: من جهة كونه هاديا للناس هداية دلالة وإرشاد.
والشفاء: كما في قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)، فـ: "من" في: "من القرآن": جنسية لا تبعيضية، فهو شفاء للأرواح والأبدان.
والبيان: فعبارته مبينة لا لبس فيها ولا تقعر ولا غموض.
والكتاب: من الكتب وهو الجمع فحروفه وكلماته وآياته وسوره مجموعة إلى بعضها خطا.
فاتفقت هذه الأسماء من جهة العلمية وافترقت من جهة الوصفية، فكل منها يدل على: المسمى العام والوصف الخاص دلالة مطابقة، وعلى أحدهما: دلالة تضمن.
ومنه أيضا: أسماء السيف: الحسام والمهند والصارم:
فهي أيضا: تدل على مسمى واحد من جهة علميتها، وعلى الصفات التي اشتقت منها: تضمنا، وعلى كليهما: مطابقة.
فالصارم مشتق من وصف الصرم، والمهند منسوب إلى الهند، والحسام مشتق من وصف الحسم وهو القطع كما في: "لسان العرب".
فاتفقت هذه الأسماء أيضا من جهة العلمية وافترقت من جهة الوصفية، فكل منها يدل على: المسمى العام والوصف الخاص: دلالة مطابقة، وعلى أحدهما: دلالة تضمن.
وإلى ما تقدم أشار ابن تيمية، رحمه الله، في "الرسالة التدمرية" بقوله:
"والله سبحانه أخبرنا أنه عليم قدير، سميع بصير، غفور رحيم، إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته.
فنحن نفهم معنى ذلك ونميز بين العلم والقدرة، وبين الرحمة والسمع والبصر، ونعلم أن الأسماء كلها اتفقت في دلالتها على ذات الله، مع تنوع معانيها فهي متفقة متواطئة من حيث الذات، متباينة من جهة الصفات، وكذلك أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، مثل محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب. وكذلك أسماء القرآن مثل القرآن والفرقان والهدى والنور والتنزيل والشفاء، وغير ذلك، ومثل هذه الأسماء تنازع الناس فيها هل هي من قبيل المترادفة لاتحاد الذات، أو من قبيل المتباينة لتعدد الصفات؟ كما إذا قيل: السيف والصارم والمهند، وقصد بالصارم، معنى الصرم، وفي المهند النسبة إلى الهند، والتحقيق أنها: مترادفة في الذات، متباينة في الصفات". اهـ
ويشير إلى طرف من ذلك في معرض بيان النوع الأول من أنواع اختلاف التنوع في أقوال السلف في تفسير الكتاب العزيز فيقول:
"أن يعبر كل واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه، تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى بمنزلة الأسماء المتكافئة التي بين المترادفة والمتباينة كما قيل في اسم السيف: الصارم والمهند، وذلك مثل أسماء اللّه الحسنى، وأسماء رسوله صلى الله عليه وسلم، وأسماء القرآن، فإن أسماء اللّه كلها تدل على مسمى واحد، فليس دعاؤه باسم من أسمائه الحسنى مضادًا لدعائه باسم آخر، بل الأمر كما قال تعالى: {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} [الإسراء: 110].
¥