تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قلت: أما من قال: سمي العرب بذلك نسبة إلى يَعْرُب بن قحطان. فقول ضعيف عند التحقيق؛ ذلك أن أسم (يَعْرُب) يرجع في أصله إلى (الماء العَرِب)، وأصل الإسم أنه منقول من الفعل المضارع من نحو قولهم "فلانٌ يَعْرُب من الماء" أي يتناول من الماء العَرِب.

وأما من قال: إنهم سموا عرباً نسبةً إلى بلدهم (عَرَبة) أو (عَرَبات) فقد باعدَ أيضاً؛ ذلك أن اسم هذا الجيل من الناس وهم (العرب)، واسم البلدة وهي (عَرَبة) يرجعان إلى شىءٍ واحدٍ، وهو الماء العَرِب الذي هو الماء الصافي الكثير الشديد الجريان.

فالعَرَبة كما في اللسان: "هو النهر الشديد الجري"، وعَرَبات جمعها، فالعَرَبات هي الأنهار الشديدة الجريان، وإنما سميت مكة المكرمة بذلك لوجود نهر أو أنهارٍ كانت شديدة الجريان فيها.

غير أننا نعلم أن مكة وادٍ غير ذي زرع، فمن أين جاءت هذه الأنهار الشديدة الجريان حتى سميت مكة باسمها. قلت: كان ذلك في زمن العصور المطيرة، إذا كانت شبة الجزيرة ذات أنهار شديدة الجريان ثم جفت بإنقضاء العصور المطيرة، وذلك قبل عشرين ألف عام. (انظر مادة أدب).

-3 -

وأما علة تسمية هذا الجيل من الناس بالعرب، فمردُّ ذلك أن لفظ العرب في أصله صفة للماء، إذ قالوا: "هذا ماء عَرَبٌ" أي كثير صافٍ شديد الجريان بالأنهار، ثم نقلت الصفة وهي (عرب) إلى العلمية فقالوا: (هذا عربٌ) أي هذا نهر كثير الماء شديد الجريان، ثم أضافت كل قبيلة اسمها إلى أحد هذه الأعراب (الأنهار) لتمييز الملكية فقالوا: "هذا عَرَب قبيلة كذا" و"هذا عرب قبيلة كذا" يريدون (هذا نهر أو ماء قبيلة كذا) و (هذا نهر أو ماء قبيلة كذا). ثم جاز اللفظ مجازاً مرسلاً علاقته المحلية إذا اكتفوا بذكر المحل وهو (العرب) أي النهر، وأرادوا من حلت إلى جواره، وهي القبيلة فقالوا: (هذه عرب كذا) أي (هذه قبيلة كذا)، وقالوا: (من أي العرب أنت؟).أي (من أي القبائل أنت) ثم غلب لفظ (العرب) فصار اسم جنس لهذا الجيل من الناس الذي يجمعه لغة واحدة، وأعراف واحدة، ودين واحد، والحمد لله ربَّ العالمين.

-4 -

وما زال لفظ (عرب) يستخدم بمعنى قبيله إلى يومنا هذا، فيقال: (عرب التعامرة) أي قبيلة التعامرة. ويقال للبدو خاصة "العرب".قلت: أصل ذلك أن لفظ العرب كان يُعَرَّف بالإضافة فيقال: "عرب البدو" أي قبائل البدو، ثم حذف المضاف إليه وهو (البدو) وعرَّف المضاف بالألف واللام تعريفا بالعهد الذهني، فإذا قال المتكلم من أهل الحضر: (ذهبت إلى العرب) انصرف ذهن السامع إلى عرب البدو أي قبائل البدو.

ومجمل الأمر أن لفظ (العرب) لفظ قديم يرجع عند التحقيق إلى زمن العصور المطيرة قبل عشرين ألف عام. (انظر مادة الأدب).

المسألة الثانية: أصل معنى لفظ (العاربة):

-1 -

قال اللسان: العرب العاربة: هم الخُلَّص منهم، وأخذ من لفظه فأُكِّد به كقولك ليل لائل، تقول: عرب عاربة وعرْباء: صرحاء، ومُتّعَرِّبة ومستعربة دخلاء ليسوا بخلَّص.

-2 -

قلت: والقول إن معنى (العرب العاربة: هم الخلص منهم) وأن معنى (العرب المستعربة هم الدخلاء) تفسير يجعل التسمية قائمة على النقاء العنصري وهو أمر بعيد، ذلك أن العرب المستعربة وهم أبناء أسماعيل عليه السلام متجدِّرون في العروبة وليسوا بدخلاء، وأما أصل هذه الأسماء فهو ذو علاقة بالماء العَرِب، وسنزيد شرح هذا الأمر في المسألة الثالثة إن شاء الله.

-3 -

قلت: العرب العاربة: هي القبائل صاحبة الأعراب (الأنهار) حيث كان الماء يجري في الأودية الشديدة الجريان، و (العاربة) هي صاحبة الماء العرِب ومثلها التامر واللابن أي صاحب التمر وصاحب اللبن.

إذاً، فمصطلح (العاربة) يقصد به تلك القبائل التي سكنت الجزيرة العربية في زمن العصور المطيرة قبل عشرين ألف عامٍ، فلما انقضت العصور المطيرة بدأت أنهار الجزيرة بالجفاف فخرجت القبائل إلى مصر والعراق واليمن والشام حتى خلت الحجاز من الناس، فلما شاء الله تعالى أن يُحيى الحجاز بذرية جديدة، جمع في تلك الذرية أمشاجاً من مصر والعراق واليمن والشام. فكانت جدتهم عليها السلام مصرية، وكان جدهم إبراهيم عليه السلام عراقياً، وكان أبوهم إسماعيل عليه السلام شامياً، إذ إنما ولد في الشام ثم حُمِل هو وأمه إلى مكة المكرمة كما هو معلوم، والإنسان إنما ينسب إلى مسقط رأسه. وكانت أم هذه الذرية وهي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير