8. أن أكل الربا والتغذي به من جملة موانع إجابة الدعاء:-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:-
" إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال:- "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً" [المؤمنون: 51] وقال تعالى:- " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم " [البقرة: 172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك" رواه مسلم وأحمد والترمذي والدارمي ([17]).
فيؤخذ من هذا الحديث أن التوسع في الحرام والتغذي به من جملة موانع الإجابة…. وقد يكون ارتكاب المحرمات مانع من الإجابة أيضاً وكذلك ترك الواجبات، وعن عمر- رضي الله عنه- قال:- (بالورع عما حرم الله يقبل الله الدعاء والتسبيح)، وقال مالك بن دينار: (أصاب بني إسرائيل بلاء، فخرجوا مخرجاً فأوحى الله تعالى إلى نبيه أن أخبرهم أنكم تخرجون إلى الصعيد بأبدان نجسة وترفعون إليّ أكُفًّا قد سفكتم بها الدماء وملأتم بها بيوتكم من الحرام، الآن اشتد غضبي عليكم ولن تزدادوا مني إلا بعداً).
وقال بعض السلف: (لا تستبطئ الإجابة، وقد سددت طرقها بالمعاصي) ([18]).
ولا شك إن من أعظم المحرمات ومن أكبر الكبائر أكل الربا والتعامل به فيكون داخلاً في معنى هذا الحديث، لأن من ملء بيته من الربا وكان مطعمه ربا وملبسه ربا ومشربه الربا وغذي بالربا فقد عرض نفسه لهذه العقوبة من الله تعالى وهي عدم إجابة الدعوة.
ثانياً: آثار الربا على المجتمع بأسره:
إنه لا يكاد يختلف اثنان في أنَّ المجتمع الذي يتعامل أفراده فيما بينهم بالأثرة، ولا يساعد فيه أحد غيره إلا أن يرجو منه فائدة راجعة على نفسه، ويكون فيه عوزُ أحد ما وضيقُه وفقرُه فرصةً يغتنمها غيره للتمول والاستثمار، فتكون مصلحة الطبقات الغنية الموسرة فيه مناقضة لمصلحة الطبقات المعدمة، لا يمكن أن يقوم ويظل قائماً مثل هذا المجتمع على قواعد محكمة أبداً، ولا بد أن تبقى أجزائه مائلة إلى التفكك والتشتت في كل حين من الأحيان.
ثم إذا عاونت على هذه الوضعية الأسباب الأخرى أيضاً، لا تلبث هذه الأجزاء تتحارب وتتشابك فيما بينها.
وبالعكس من ذلك، إن المجتمع الذي يقوم بناؤه على التعاون والتناصح والتكافل ويتعامل أعضاؤه فيما بينهم بالكرم والسخاء، ولا يكاد يحس فيه أحد أن أحداً من إخوانه في حاجة إلى مساعدته، إلا سارع إلى الأخذ بيده، وعامل فيه الأغنياء إخوانهم الفقراء بالإعانة متطوعين أو بالتعاون العادل على الأقل، لا بد أن تنشأ وتنمو صعداً عواطف التحاب والتناصر والتناصح في قلوب أفراد مثل هذا المجتمع وتبقى أجزاؤه متكافلة متساندة فيما بينها ولا تتطرق إليه عوامل التنازع والتصادم الداخلي أبداً، وأن يكون أسرع كذلك إلى الرُّقي والكمال والازدهار من المجتمع الأول ([19]).
والآثار التي تظهر في المجتمع الذي يتعامل بالربا آثار كثيرة نذكر بعضها فيما يلي:-
1. فقدان التآلف وحصول الكراهية والحقد والبغض بين أفراد ذلك المجتمع:-
لا يمكن أن تقوم المجتمعات الإنسانية ما لم يترابط الناس فيما بينهم بروابط الود والمحبة القائمة على التعاون والتراحم التكافل، ومنبعُ الود والمحبة والتكافل والتعاون والتراحم الأخوةُ بين أفراد الأمة الواحدة. والأفراد في الجماعة، أو القطاع من الأمة الذين لا تؤرقهم آلام إخوانهم وأوجاعهم ومصائبهم كالعضو الأشل، الذي عدم فيه الإحساس وانقطعت روابطه بباقي الجسد.
كيف ينعم مجتمع إذا انبث في جنباته أكلة الربا الذين يقيمون المصائد والحبائل لاستلاب المال بطريق الربا وغيره من الطرق!! وكيف يتآلف مجتمع يسود فيه النظام الربوي الذي يسحق القويُّ فيه الضعيف!! كيف نتوقع أن يحب الذين نُهبت أموالهم، وسُلبت خيراتهم ناهبيهم وسالبيهم!! إنّ الذي يسود في مثل هذه المجتمعات هو الكراهية والحقد والبغضاء، فترى القلوب قد امتلأت بالضغينة، والألسنة قد ارتفعت بالدعاء على هؤلاء الذين سلبوهم أموالهم ([20]).
¥