تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما مصطلح التأصيل الإسلامي، فهو واحد من عدد من المصطلحات التي ترتبط ببعضها فيما يكوّن حقلاً دلالياً واحداً، فالتأصيل الإسلامي لعلم الأخلاق أو القيم، وإسلامية علم الأخلاق، وأسلمة علم الأخلاق، والتوجيه الإسلامي لعلم الأخلاق، وعلم الأخلاق في المنظور الإسلامي، كلها مصطلحات تنتمي إلى الحقل نفسه، ولكن اختيار أي منها قد لا يكون بالضرورة قراراً معرفياً منهجياً، بقدر ما يكون رغبة في استبعاد الدلالات والظلال، التي ربما توحي بها المصطلحات الأخرى.

ونكتفي في هذا المقام ببيان ما قد تشير إليه هذه المصطلحات، من خلال الإحالة إلى طبيعة البرامج التي حاولت ثلاث مؤسسات تطويرها، وعلاقة كل منها بالمصطلح الذي قررت اختياره؛ فالمعهد العالمي للفكر الإسلامي اختار مصطلح "إسلامية المعرفة"، وجامعة محمد بن سعود الإسلامية في الرياض اختارت مصطلح "التأصيل الإسلامي للعلوم"، وجامعة الأزهر في القاهرة استعملت مصطلح "التوجيه الإسلامي للعلوم".

لقد انصرف مفهوم التأصيل الإسلامي لموضوع معين في كثير من: الأدبيات، والممارسات، وبعض المشروعات، إلى معانٍ ودلالات يمكن أن نميز منها:

- إضافة ما يُظن أنّه أصل إسلامي للمعرفة المعاصرة في ذلك الموضوع، وذلك بربط هذا الموضوع بما قد يتوافر من نصوص القرآن الكريم، أو الحديث النبوي الشريف، أو شيء من تراث المسلمين الماضي. ومثال ذلك تأليف كتاب في علم النفس، فيه نقل وترجمة لما في أي كتاب في علم النفس، يعرض نظريات المدارس النفسية مثل: التحليل النفسي، أو السلوكية، أو الإنسانية ... ، ثم يضاف إلى الكتاب فصل يحتوى على بعض الآيات والأحاديث، التي يظن المؤلف أنها تتعلق بعلم النفس المعاصر، وربما يحتوي الفصل على مقتطفات من كلام أبي حامد الغزالي، أو ابن سينا، أو غيرهما عن النفس، ثم يُعطى للكتاب عنوان: علم النفس الإسلامي!

- ومنها محاولة إنشاء معرفة جديدة في الموضوع، انطلاقاً من الأصول الإسلامية في القرآن الكريم، أو السُّنَّة النبويّة، أو التراث الإسلامي، "فما ترك السابق للاحق شيئاً" يبحثه، مع الزعم بإقامة قطيعة معرفية مع أية مصادر أخرى. وبخاصة المصادر الغربية الحديثة. ومثال ذلك تأليف كتاب عن النظام السياسي في الإسلام، يعيد المؤلف فيه صياغة محتوى كتاب الأحكام السلطانية للماوردي، وأمثاله من الكتب، دون أن يتحدث عن تراكم الممارسات والتجارب المتنوعة في أنظمة الحكم، وعلاقتها بالمبادئ السياسية الإسلامية.

- وثمة معنى ثالثٌ، يرى قيام التأصيل على ثلاثة متطلبات أساسية لا يغني أحدها الآخرين. المتطلب الأول: هو التَّمكُّن من المرجعية الإسلامية، والمواد الإسلامية ذات العلاقة بالموضوع المراد تأصيله، سواءً أكانت نصوصاً من القرآن الكريم، أم السُّنَّة النبوية، أو نصوصاً مختارة من تراث العلماء المسلمين، والمتطلب الثاني: هو التَّمكُّن من الأدبيات ذات العلاقة بالموضوع في الفكر الإنساني المعاصر، والمتطلب الثالث: هو القدرة على الجمع بين نتائج الفهم والاستيعاب لحصيلة كل من المتطلبين السابقين، ومن ثم القيام بقفزة إبداعية تُنتج معرفةً تتّصف بالإسلامية أو التأصيل الإسلامي.

إن تقدير الجهود التي تقوم بها بعض المؤسسات التي تدعو إلى التأصيل، واحترام خيارات هذه المؤسسات، لا تمعنا من الإشارة إلى أن ثمة تطرفاً في بعض أدبيات التأصيل، التي تقول بأن المعرفة الإسلامية الأصيلة لن تكون إلاّ نتيجة مباشرة من النظر في النصوص، ومعرفة دلالاتها كما وردت في تراث المسلمين السابقين، مع قطيعة معرفية بالواقع البشري المعاصر، ومعطياته المعرفية. ونرى أن إمكانية هذا اللون من التأصيل، ليست إلاً وَهْمَاً كبيراً! لكن من العدل أن نشير أيضاً إلى تطرفٍ في الاتجاه الآخر، وهو القول بأن جهود التأصيل ليست أكثر من تعبير عن سياسة الهروب من الواقع، وأن تحليل الفكر الأصولي يكشف عن استحالة التأصيل، ومن ثمَّ فلا سبيل أمام الشعوب المسلمة لتحقيق تقدمها، إلا بالتماهي والاندماج في تيارات الحداثة وما بعد الحداثة، كما حدثت وتحدث في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، وهذا القول الثاني هو أيضاً وَهْمٌ، وهو وَهْمٌ أكبر من الأول!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير