الآية جملة شرطية فيها حرف التخيير (أو)، وحرف التخيير في مثل هذا السياق يكون مابعده مضادا لما قبله، مثل:
استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ...
أخرج أو ادخل.
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ.
كذلك في الآية (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا): النسيان ضدها التذكر، وكل أمر إذا لم يترك منه نسخة مكتوبة أو مسجلة بالصوت أو الصورة فإنه سينسى مع مرور الزمن، فقد تحضر حفلا وبعد مدة تنسى تفاصيل الأحداث التي شاهدتها في ذلك الحفل، فقد تنسى حتى لون القميص الذي كنت ترتديه في تلك المناسبة، فلو أنك تركت نسخة مكتوبة أو مرئية (فيديو) عن تفاصيل ما جرى لما نسيت لأن النسخة تذكرك.
إذن فالنسيان ضده التذكر، وخير وسيلة لتذكر الشيء هي استنساخه كتابة أو بأية وسيلة أخرى.
الآية جاءت بعد ذكر حسد اليهود للعرب وأنهم لا يودون أن ينزل عليهم من خير من ربهم، وإن كان هناك خير محسودين عليه يستحق الذكر في هذه المناسبة فهو النبوة، والنبوة آيات، والحالتان الممكنتان لإرسال نبي بآية هي:
1) بعد أن نسيت آيات قوم أو أقوام قبله بانقراضهم وضياع تاريخهم، وفقدان ثراتهم.
2) أو يجد بين يديه نسخة من الرسالة التي كانت قبله (يهود وكتابهم، نصارى وكتابهم).
إذا فالنسخ في الآية لا يعني الإزالة بل بالعكس هو وسيلة تذكير (كتابة): (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا).
وإذا كان الله قد ترك للخلف نسخة من الآيات التي عاصرها السلف فإنه يترك لهم أيضا نسخة من الاختبار الذي اختبر به أسلافهم، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. قد نخطئ في معنى النسخ في هذه الآية إذا اعتبرنا (تمنى) بمعنى قرأ، ففي هذه الحالة يصبح ضروريا أن يعني النسخ الإزالة، أما إذا اعتبرنا (تمنى) بمعنى أحب فكل نبي أحب أن يسود منهج الله وأن يعبد الله وحده وألا يضل قومه من بعده، فالمسيح عليه السلام تمنى أن يعبد أتباعه الله وحده فهل ترك الشيطان المسيح وأمنيته أم ألقى أمامها العقبات والحواجز!!
بلى ألقى الشيطان عقبات حالت دون تحقيق أمنية المسيح، فالتثليث وعقيدة الفداء والحلول هذه كلها ألقاها الشيطان.
هل نسخ الله ما ألقاه الشيطان؟
إذا كان النسخ معناه الإزالة فالله لم يزل ما ألقاه الشيطان، فتأليه المسيح والتثليث وعقيدة الفداء مازال لها وجود.
أما إذا كان النسخ في الآية معناه أن الله قد ترك نسخة من الاختبار للخلف ليختبرهم به كما اختبر أسلافهم فيرسب فيه الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم فذلك هو الصواب، وما كان الله ليترك نسخة من الباطل إلا بعد أن يحكم آياته لتظل محفوظة ومرجعا لأولي العلم.
والسبب الذي يفتتن به الذين في قلوبهم مرض هو وجود ما ألقاه الشيطان، فزوال السبب يعني زوال الفتنة، فكيف يعني النسخ إزالة سبب الفتنة والفتنة موجودة!!
لا يصح أن أقول: أزلت الكمين للإيقاع بالمجرم، والصواب أن أقول: نصبت الكمين للإيقاع بالمجرم.
كذلك ينسخ الله ما يلقي الشيطان ليجعله فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ، لا يصح أن يكون معنى النسخ هو الإزالة، لو أزاله وأصبح لا وجود له فكيف يجعل الله شيئا غير موجود فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ!!
إن السبب في صرف لفظ (نسخ) عن معناه الحقيقي هو اعتبار معنى تمنى هو قرأ، فالآية تتكلم عن كل نبي ورسول إلا وتمنى، فهل الشيطان تلاعب بألسنة كل الأنبياء والرسل لما قرأوا الكتاب فجعلهم يقولون الباطل ثم انتبهوا فصححوا الخطأ الذي ألقاه الشيطان على ألسنتهم!!
إذا فالغاية من النسخ هو الإثبات وليس الإزالة، والله تعالى إذا ترك نسخة من الآيات التي عاصرها السلف فنسخ الله لا يأتيه الباطل (التحريف) من بين يديه ولا من خلفه، وإذا كان الله قد عصم رسله من الناس فرسالات الله ليست أقل أهمية من الرسل.
ما الحكمة من وجود أربع نسخ للإنجيل بدلا من واحدة؟
إذا جئتك بجريدة اليوم فوجدت فيها خبرين:
¥