تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذه الآية التي طرحتها للتحاور حول مفهومها، نعتقد ــ جمهور أهل السنة والجماعة من المحدثين والمفسرين والفقهاء والمتكلمين الأشاعرة والماتريدية ــ أنها لا تدل على حدوث القرآن الذي هو كلام الله القائم بذاته، أو أنه معاذ الله أحدث سبحانه وتعالى كلاما في ذاته وتكلم به حروفا وأصواتا بعد أن لم يكن متكلما به بل بغيره، زعما ممن قال ذلك أن ذلك من صفاته الاختيارية فله أن يحدث في ذاته ما يشاء .. بل لها مفهوم آخر يناقض هذا الفهم السطحي الظاهري الباطل تماما والمخالف لما عليه جمهور المفسرين لكتاب الله تعالى، ولنا على ذلك أدلة عديدة أولها وليس آخرها تفسير الإمام البخاري في كتابه "خلق الأفعال" هذه الآية تفسيرا صحيحا حيث قال: وأما تحريفهم: (من ذكر من ربهم محدث) فإنما حدث عند النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما عَلَّمَـ[ـهُ] اللهُ ما لم يكن يعلم. (ص23). طبعة مؤسسة الرسالة. وفي هذه الطبعة خطأ فاحش وهو حذف الضمير من قوله: علمه.

ونرى ـ ـ أهل السنة ـ ـ أن من فسرها بحدوث كلام الله تعالى الذي هو القرآن، وادعى أن الخلق يغاير الإحداث، وأن الله تعالى يفعل في ذاته ما يشاء، ويحدث فيها ما يريد، ومما أحدث في ذاته القرآن العظيم حروفا وأصواتا، قد خالف الأمة وشق إجماعها وابتدع في الدين، وأتى بما لم يأت به سيد المرسلين لا صراحة ولا ضمنا ولا التزاما. واستشهاد هذا القائل بحديث: "إن الله يحدث من أمره ما شاء، وإن مما أحدث ألاَّ تكلَّموا في الصلاة " باطل أيضا بشهادة جمهور شراح كتب الحديث، ولا يخفى على من طالعها بفهم ما قالوا في تفسيره.

قال الإمام الطبري في تفسير سورة الشعراء: القول في تأويل قوله تعالى (وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين) يقول تعالى ذكره: وما يجيء هؤلاء المشركين الذين يكذبونك ويجحدون ما أتيتهم به يا محمد من عند ربك من تذكير وتنبيه على مواضع حجج الله عليهم على صدقك وحقيقة ما تدعوهم إليه مما يحدثه الله إليك ويوحيه إليك لتذكرهم به إلا أعرضوا عن استماعه، وتركوا إعمال الفكر فيه وتدبره.

فالمسألة أعظم وأكبر مما يستخف بها البعض، وادعاء الإجماعات الخيالية على الأمور الباطلة لا يغتر بها إلا مقلد تقليدا رديئا، وهذا الملتقى يضم ثلة من الأساتذة والدكاترة والمشايخ الذين يحسن الحوار معهم، فيحسن بمن ربط على قلبه مفاهيم فيها نظر كبير بل هي باطلة عند جمهور علماء الأمة وسلم صحتها وصار ينافح عنها أن لا يسلك سبيل الترهيب لإقناع غيره، فليتكلم بعلم أو ليسكت بحلم. وبالله تعالى التوفيق، فهو يهدي من يشاء ويضل من يشاء.

لا تشغل نفسك كثيرا بمسألة المعرفات ... فأنت طالب علم ولست شرطيا مخبرا.

ـ[نزار حمادي]ــــــــ[28 Nov 2008, 07:25 م]ـ

وللمحتجين ببعض متشابه كلام الإمام البخاري أقول:

قال للكرماني في الكواكب الدراري (ج25/ص216): قال المهلب: غرض البخاري من الباب الفرق بين وصف كلامه بأنه مخلوق ووصفه بأنه حادث، يعني لا يجوز إطلاق المخلوق عليه ويجوز إطلاق الحادث عليه.

أقول (الكرماني) الغالب أن البخاري لا يقصد ذلك ولا يرضى به ولا بما نسبه إليه؛ إذ لا فرق بينهما (المحدث والمخلوق) عقلا وعرفا ونقلا. وقال شارح التراجم: مقصوده أن حدوث القرآن وإنزاله إنما هو بالنسبة إلينا، وكذا ما أحدثه من أمر الصلاة فإنه بالنسبة إلى علمنا. اهـ.

ويؤيد كلام الكرماني كلام البخاري نفسه في كتاب خلق أفعال السابق ذكره، حيث قال: فإنما حدث عند النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لمّا عَلَّمَهُ اللهُ ما لم يكن يعلم. (ص23).

ـ[نزار حمادي]ــــــــ[28 Nov 2008, 08:15 م]ـ

قال الحافظ المفسر البغوي في تفسير قوله تعالى: (ما يأتيهم ذكر من ربهم محدث): قال مقاتل: يحدث الله الأمر بعد الأمر. قيل: الذكر المحدث: ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وبينه من السنن والمواعظ سوى ما في القرآن، وأضافه إلى الرب عز وجل لأنه قاله بأمر الرب. (معالم التنزيل، ج5/ص306)

وقال القرطبي: ما يأتيهم ذكر من ربهم محدث: يريد: في النزول وتلاوة جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان ينزل سورة بعد سورة وآية بعد آية، كما كان ينزله الله تعالى عليه في وقت بعد وقت، لا أن القرآن مخلوق. (الجامع، ج14/ص172)

قلت: انظر كيف عبر القرطبي عن عدم إحداثه بعدم مخلوقيته، وهو شاهد على أن التفريق بينهما محض تحكم. وكذا أبو حيان عندما قال: وقد احتجت المعتزلة على حدوث القرآن بقوله: محدث. (ج6/ص275) فلم يفرق بين المخلوق والمحدث.

والمقصود بكل هذا الكلام أن من فسر الآية الكريمة بأن الله تعالى يحدث القرآن كلامه (الحروف والأصوات المحدثة على زعم القائل)، بل وزعم أن الأصح من الأقوال هو جواز إطلاق أن الله تعالى أحدث القرآن في ذاته، من اعتقد هذه الأشياء حق الله تعالى قد خالف جمهور الأمة، وأتى بمنكر من التفسير لم يقل به أحد من علماء أهل السنة. والله يهدي برحمته وفضله من يشاء إلى صراط مستقيم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير