فالقرآن عبارة عن كلام الله تعالى! لا أنه هو كلام الله تعالى! فما فعلتَ شيئا أيها الفاضل سوى تأكيد ما ذكرته في مشاركتي السابقة
و قد أتى بها الرازي صريحة فقال بعد تقرير ان الله تعالى قادر على خلق الأصوات بتقطيعات مخصوصة في جسم جمادي او حيواني , و ان الله تعالى جعل هذه الأصوات معرفة لكونه تعالى مريدا لبعض الأشياء او كارها له:
(فثبت بما ذكرنا ان كونه تعالى متكلما بالمعنى الذي يقوله المعتزلة مما نقول به و نعترف به و لا ننكره بوجه من الوجوه) اهـ ص 59 من كتاب خلق القرآن بين أهل السنة و المعتزلة بتحقيق احمد حجازي السقا
و هذا واضح جدا ان الخلاف بين الأشعرية والمعتزلة إنما هو في مسألة الكلام النفسي اما القرآن الذي بين أيدينا فلا يشك أحد منهم في خلقه
و قال في أثناء رده على شبه القائلين بحدوث القرآن:
(فالجواب عنها شيء واحد و هو ان تصرف كل تلك الوجوه الى هذه الحروف و الأصوات فإنا معترفون بأنها محدثة و عندهم القرآن ليس إلا ما تركب عن هذه الحروف و الأصوات فكانت الدلائل التي ذكروها دالة على حدوث هذه الحروف و الأصوات و نحن لا ننازع في ذلك و إنما ندعي قدم القرآن بمعنى آخر فكانت كل هذه الشبه ساقطة عن محل النزاع) اهـ ص 70 بتحقيق احمد حجازي السقا
و معلوم ان المعنى الآخر الذي يقصده الرازي و أتباعه: قدم الكلام النفسي , أما هذا الذي في الصدور و المكتوب في المصاحف و الآيات و السور و الحروف و المعاني: كلها مخلوقة محدثة عنده بلا ريب
و قال البيجوري في شرح جوهرة التوحيد ص 130 بتحقيق علي جمعة:
(واعلم أن كلام الله يطلق على الكلام النفسي القديم، بمعنى أنه صفة قائمة بذاته تعالى
وعلى الكلام اللفظي بمعنى أنه خلقه، وليس لأحد في أصل تركيبه كسب. وعلى هذا يحمل قول السيدة عائشة: ما بين دفتي المصحف كلام الله تعالى) انتهى.
و قال أيضا:
(ومع كون اللفظ الذي نقرؤه حادثا: لا يجوز أن يقال: القرآن حادث إلا في مقام التعليم) ص 130 بتحقيق علي جمعة
و أوضح أكثر فقال:
(و قد أضيف له تعالى كلام لفظي كالقرآن فإنه كلام الله قطعا بمعنى أنه خلقه في اللوح المحفوظ) ص 131
و قد تفطن أئمة أهل السنة لقول الأشعرية بخلق القرآن فقال شيخ الشافعية باليمن الإمام الفقيه العلامة يحيي بن أبي الخير العمراني رحمه الله " صاحب كتاب البيان في فقه الشافعية " - ت 558 هـ - في كتابه الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار:
(و الأشعرية موافقة للمعتزلة في أن هذا القرآن المتلو المسموع مخلوق) اهـ ج2 ص 544 بتحقيق د. سعود الخلف
و قال العلامة الإمام شرف الإسلام شيخ الحنابلة بالشام عبدالوهاب بن عبدالواحد الشيرازي - ت 536 هـ - في كتابه: " الرسالة الواضحة في الرد على الأشاعرة "
(فإذا قال لك القائل منهم: القرآن كلام الله , و لكن الحرف و الصوت مخلوق قيل له: أنت في حل من الحرف فما تقول في الكلمات؟ فمن قوله: مخلوقةٌ.
فقل له: نهب لك الكلمات , فما تقول في الآيات التي تكلم الله بها؟
فمن قوله: ان الله ما تكلم بذلك و الجميع عنده مخلوق , فيعلم العاقل ان ذكر الحرف حيلة و خديعة و إلا فلا فرقَ عندهم بين الجملة و التفصيل في أن الله تعالى ما تكلم بالجملة و ان الجميع مخلوق.) اهـ ج2 ص 408 تحقيق د. علي الشبل
و قال العلامة السفاريني رحمه الله - ت 1188 هـ - في لوامع الأنوار البهية:
(والحاصل أن المعتزلة موافقة الأشعرية، والأشعرية موافقة المعتزلة في أن هذا القرآن الذي بين دفتي المصحف مخلوق محدث وإنما الخلاف بين الطائفتين أن المعتزلة لم تثبت لله كلاما سوى هذا، والأشعرية أثبتت الكلام النفسي القائم بذاته تعالى، وأن المعتزلة يقولون: إن المخلوق كلام الله، والأشعرية لا يقولون أنه كلام الله، نعم يسمونه كلام الله مجازا هذا قول جمهور متقدميهم، وقالت طائفة من متأخريهم: لفظ كلام يقال على هذا المنزل الذي نقرؤه ونكتبه في مصاحفنا، وعلى الكلام النفسي بالاشتراك اللفظي.) اهـ
¥