ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[20 Jan 2006, 08:55 م]ـ
جزاك الله خيرا، صحيح أحاديث الكتاب لم تخدم.
ص82:
اللُّغْزُ: هُوَ تَحَرِّي أَهْلِ الْفَرَاغِ وَشُغْلُ ذَوِي الْبَطَالَةِ؛ لِيَتَنَافَسُوا فِي تَبَايُنِ قَرَائِحِهِمْ، وَيَتَفَاخَرُوا فِي سُرْعَةِ
خَوَاطِرِهِمْ، فَيَسْتَكِدُّوا خَوَاطِرَ قَدْ مُنِحُوا صِحَّتَهَا فِيمَا لاَ يُجْدِي نَفْعًا وَلاَ يُفِيدُ عِلْمًا، كَأَهْلِ الصِّرَاعِ الَّذِينَ قَدْ
صَرَفُوا مَا مُنِحُوهُ مِنْ صِحَّةِ أَجْسَامِهِمْ إلَى صِرَاعٍ كَدُودٍ يَصْرَعُ عُقُولَهُمْ وَيَهِدُّ أَجْسَامَهُمْ وَلاَ يُكْسِبُهُمْ حَمْدًا
وَلاَ يُجْدِي عَلَيْهِمْ نَفْعًا.
اُنْظُرْ إلَى قَوْلِ الشَّاعِر:
رَجُلٌ مَاتَ وَخَلَّفَ رَجُلا * ابْنَ أُمِّ ابْنَ أَبِي أُخْتِ أَبِيهِ
مَعَهُ أُمُّ بَنِي أَوْلاَدِهِ * وَأَبَا أُخْتِ بَنِي عَمِّ أَخِيهِ
أَخْبَرَنِي عَنْ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ وَقَدْ رَوَّعَك صُعُوبَةُ مَا تَضَمَّنَهُمَا مِنْ السُّؤَالِ. إذَا اسْتَكْدَيْتَ الْفِكْرَ فِي اسْتِخْرَاجِهِ
فَعَلِمْت أَنَّهُ أَرَادَ مَيْتًا خَلَّفَ أَبًا وَزَوْجَةً وَعَمًّا، مَا الَّذِي أَفَادَك مِنْ الْعِلْمِ وَنَفَى عَنْك مِنْ الْجَهْلِ؟ أَلَسْت بَعْدَ
عِلْمِهِ تَجْهَلُ مَا كُنْت جَاهِلاً مِنْ قَبْلِهِ؟ وَلَوْ أَنَّ السَّائِلَ قَلَبَ لَك السُّؤَالَ فَأَخَّرَ مَا قُدِّمَ وَقَدَّمَ مَا أُخِّرَ لَكُنْت فِي
الْجَهْلِ بِهِ قَبْلَ اسْتِدْرَاجِهِ كَمَا كُنْت فِي الْجَهْلِ الأول وَقَدْ كَدَدْت نَفْسَك، وَأَتْعَبْت خَاطِرَك ثُمَّ لاَ تَعْدَمُ أَنْ يَرِدَ
عَلَيْك مِثْلُ هَذَا مِمَّا تَجْهَلُهُ فَتَكُونُ فِيهِ كَمَا كُنْت قَبْلَهُ. فَاصْرِفْ نَفْسَك – َوَلَّى اللَّهُ رُشْدَك - عَنْ عُلُومِ النَّوْكَى
وَتَكَلُّفِ الْبَطَّالِينَ.
ص87:
وَرُبَّمَا اسْتَثْقَلَ الْمُتَعَلِّمُ الدَّرْسَ وَالْحِفْظَ وَاتَّكَلَ بَعْدَ فَهْمِ الْمَعَانِي عَلَى الرُّجُوعِ إلَى الْكُتُبِ وَالْمُطَالَعَةِ فِيهَا عِنْدَ
الْحَاجَةِ فَلاَ يَكُونُ إلا كَمَنْ أَطْلَقَ مَا صَادَهُ ثِقَةً بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ الامْتِنَاعِ مِنْهُ فَلاَ تُعْقِبُهُ الثِّقَةُ إلا خَجَلاً
وَالتَّفْرِيطُ إلا نَدَمًا.
ص105:
اعْلَمْ أَنَّ لِلْمُتَعَلِّمِ تَمَلُّقًا وَتَذَلُّلاً فَإِنْ اسْتَعْمَلَهُمَا غَنِمَ، وَإِنْ تَرَكَهُمَا حُرِمَ؛ لِأَنَّ التَّمَلُّقَ لِلْعَالِمِ يُظْهِرُ مَكْنُونَ عَمَلِهِ،
وَالتَّذَلُّلَ لَهُ سَبَبٌ لِإِدَامَةِ صَبْرِهِ. وَبِإِظْهَارِ مَكْنُونِهِ تَكُونُ الْفَائِدَةُ وَبِاسْتِدَامَةِ صَبْرِهِ يَكُونُ الإكْثَارُ.
ص108:
رَجَّحَ كَثِيرُ مِنْ الْحُكَمَاءِ حَقَّ الْعَالِمِ عَلَى حَقِّ الْوَالِدِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ:
يَا فَاخِرًا لِلسَّفَاهِ بِالسَّلَفِ * وَتَارِكًا لِلْعَلاَءِ وَالشَّرَفِ
آبَاءُ أَجْسَادِنَا هُمْ سَبَبٌ * لأنْ جُعِلْنَا عَرَائِضَ التَّلَفِ
مَنْ عَلَّمَ النَّاسَ كَانَ خَيْرَ أَبٍ * ذَاكَ أَبُو الرُّوحِ لاَ أَبُو النُّطَفِ
ص115:
وَقَلَّمَا تَجِدُ بِالْعِلْمِ مُعْجَبًا وَبِمَا أَدْرَكَ مُفْتَخِرًا، إلا مَنْ كَانَ فِيهِ مُقِلاً وَمُقَصِّرًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجْهَلُ قَدْرَهُ، وَيَحْسَبُ أَنَّهُ
نَالَ بِالدُّخُولِ فِيهِ أَكْثَرَهُ. فَأَمَّا مَنْ كَانَ فِيهِ مُتَوَجِّهًا وَمِنْهُ مُسْتَكْثِرًا فَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ بُعْدِ غَايَتِهِ، وَالْعَجْزِ عَنْ
إدْرَاكِ نِهَايَتِهِ، مَا يَصُدُّهُ عَنْ الْعُجْبِ بِهِ.
وَقَدْ قَالَ الشَّعْبِيُّ: الْعِلْمُ ثَلاَثَةُ أَشْبَارٍ فَمَنْ نَالَ مِنْهُ شِبْرًا شَمَخَ بِأَنْفِهِ وَظَنَّ أَنَّهُ نَالَهُ. وَمَنْ نَالَ الشِّبْرَ الثَّانِيَ
صَغَرَتْ إلَيْهِ نَفْسُهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَنَلْهُ، وَأَمَّا الشِّبْرُ الثَّالِثُ فَهَيْهَاتَ لاَ يَنَالُهُ أَحَدٌ أَبَدًا.
وَمِمَّا أُنْذِرُك بِهِ مِنْ حَالِي أَنَّنِي صَنَّفْت فِي الْبُيُوعِ كِتَابًا جَمَعْت فِيهِ مَا اسْتَطَعْت مِنْ كُتُبِ النَّاسِ، وَأَجْهَدْت فِيهِ
نَفْسِي وَكَدَدْت فِيهِ خَاطِرِي، حَتَّى إذَا تَهَذَّبَ وَاسْتَكْمَلَ وَكِدْت أَعْجَبُ بِهِ وَتَصَوَّرْت أَنَّنِي أَشَدُّ النَّاسِ
اضْطِلاَعًا بِعِلْمِهِ، حَضَرَنِي، وَأَنَا فِي مَجْلِسِي أَعْرَابِيَّانِ فَسَألانِي عَنْ بَيْعٍ عَقَدَاهُ فِي الْبَادِيَةِ عَلَى شُرُوطٍ تَضَمَّنَتْ
أَرْبَعَ مَسَائِلِ لَمْ أَعْرِفْ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ جَوَابًا، فَأَطْرَقْت مُفَكِّرًا، وَبِحَالِي وَحَالِهِمَا مُعْتَبَرًا فَقَالا: مَا عِنْدَك فِيمَا
سَأَلْنَاك جَوَابٌ، وَأَنْتَ زَعِيمُ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ؟ فَقُلْت: لاَ.
فَقَالا: وَاهًا لَك، وَانْصَرَفَا. ثُمَّ أَتَيَا مَنْ يَتَقَدَّمُهُ فِي الْعِلْمِ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِي فَسَألاهُ فَأَجَابَهُمَا مُسْرِعًا بِمَا أَقْنَعَهُمَا
وَانْصَرَفَا عَنْهُ رَاضِيَيْنِ بِجَوَابِهِ حَامِدَيْنِ لِعِلْمِهِ، فَبَقِيت مُرْتَبِكًا، وَبِحَالِهِمَا وَحَالِي مُعْتَبِرًا وَإِنِّي لَعَلَى مَا كُنْت
عَلَيْهِ مِنْ الْمَسَائِلِ إلَى وَقْتِي، فَكَانَ ذَلِكَ زَاجِرَ نَصِيحَةٍ وَنَذِيرَ عِظَةٍ تَذَلَّلَ بِهَا قِيَادُ النَّفْسِ، وَانْخَفَضَ لَهَا جَنَاحُ
الْعُجْبِ، تَوْفِيقًا مُنِحْتَهُ وَرُشْدًا أُوتِيتَهُ.
ص117:
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مِنْ الْعِلْمِ أَنْ لاَ تَتَكَلَّمَ فِيمَا لاَ تَعْلَمُ بِكَلاَمِ مَنْ يَعْلَمُ فَحَسْبُك جَهْلاً مِنْ عَقْلِك أَنْ تَنْطِقَ
بِمَا لاَ تَفْهَمُ.
¥