تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[صفوة الأمة 45]

ـ[د. محمد مشرح]ــــــــ[27 Jan 2006, 12:44 ص]ـ

[صفوة الأمة 45]

الحلقة الخامسة والأربعون

موقفه من أهل الباطل

طالما امتشق الفاروق سلاحه عند أي خطر ضد النبي صلى الله عليه وسلم أو إساءة إلى الإسلام، أو ما يعتبر قلة أدب وعدم تقدير لمن يستحق التقدير والتبجيل؛ روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله e وهو يقسم قسما؛ أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم؛ فقال يا رسول الله اعدل! فقال ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؛ قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل. فقال عمر يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه. فقال دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى رصافه فما يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى نضيه وهو قدحه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر ويخرجون على حين فرقة من الناس قال أبو سعيد فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله e وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به حتى نظرت إليه على نعت النبي e الذي نعته} [1]

قوله: لا يجاوز يحتمل أنه لكونه لا تفقهه قلوبهم ويحملونه على غير المراد به ويحتمل أن يكون المراد أن تلاوتهم لا ترتفع إلى الله. وقوله يمرقون من الدين إن كان المراد به الإسلام فهو حجة لمن يكفر الخوارج. ويحتمل أن يكون المراد بالدين الطاعة فلا يكون فيه حجة وإليه جنح الخطابي. وقوله الرمية بوزن فعيلة بمعنى مفعولة وهو الصيد المرمي شبه مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه ويخرج منه ومن شدة سرعة خروجه لقوة الرامي لا يعلق من جسد الصيد شيء. وقوله ينظر في نصله أي حديدة السهم ورصافه بكسر الراء ثم مهملة ثم فاء أي عصبه الذي يكون فوق مدخل النصل والرصاف جمع واحده رصفة بحركات. ونضيّه بفتح النون وحكى ضمها وبكسر المعجمة بعدها تحتانية ثقيلة قد فسره في الحديث بالقدح بكسر القاف وسكون الدال أي عود السهم قبل أن يراش وينصل وقيل هو ما بين الريش والنصل قاله الخطابي قال بن فارس سمي بذلك لأنه برى حتى عاد نضوا أي هزيلا، وحكى الجوهري عن بعض أهل اللغة أن النضي النصل والأول أولى. والقذذ بضم القاف ومعجمتين الأولى مفتوحة جمع قذة وهي ريش السهم يقال لكل واحدة قذة ويقال هو أشبه به من القذة بالقذة لأنها تجعل على مثال واحد وقوله آيتهم أي علامتهم. وقوله بضعة بفتح الموحدة أي قطعة لحم وقوله تدردر بدالين وراءين مهملات أي تضطرب والدردرة صوت إذا اندفع سمع له اختلاط وقوله علي حين فرقة أي زمان فرقة؛ وهو بضم الفاء أي افتراق وفي رواية الكشميهني على خير بخاء معجمة وراء أي أفضل وفرقة بكسر الفاء أي طائفة وهي رواية الإسماعيلي ... وقوله في آخر الحديث فأتى به أي بذي الخويصرة حتى نظرت إليه على نعت النبي e الذي نعته؛ يريد ما تقدم من كونه أسود؛ إحدى عضديه مثل ثدي المراة الخ، قال بعض أهل اللغة النعت يختص بالمعاني كالطول والقصر والعمى والخرس والصفة بالفعل كالضرب والجروح وقال غيره النعت للشيء الخاص والصفة أعم. [2]

في الحديث: علامة ومعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم بوصفه الفرقة المفرقة والرجل الذي وصفه فظهر في زمن علي رضي الله عنه وتحقق من الوصف. والأمر الثاني خطورة الفهم السقيم على صاحبه وعلى وحدة الصف، والإساءة إلى المنهج الرباني،لكون الناس في محاكمتهم لما يصدر عن سيء الفهم ليسوا سواء؛ وهذه واضحة تمام الوضوح في الممارسة الحالية في محاكمة الإسلام من خلال تصرفات المسلمين المقصرين أو من خلال وسائل الإعلام المضادة المغرضة التي تتعمد تشويه الإسلام؛ فإن ضحايا هذا المسلك جماهير غفيرة.

والخوارج ومن اقترب من فكرهم يضربون الوحدة الإسلامية في الصميم ويوصلهم الفكر القاصر إلى ممارسات تنتج هدم مقاصد وكليات الإسلام العظيمة إلى أن تزهق أنفس برية وتراق دماء محرمة، وتنتهك أعراض محترمة، ويُهدّ أمن شامل، وتعطل فرائض وواجبات، وييتم أطفال، وترمل نساء، وتسلب أموال ... ويفسح المجال لعدو الأمة المتربص أن يلحق ضررا بالغا بالأمة ودينها وبيضتها؛ ولا شك في تورطه للاصطياد في الماء العكر، ولكن عند فسح المجال من داخل الأمة. وهذه قضية مقلقة بدرجة غير اعتيادية فإذا وجد مثل هؤلاء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبيانه أعظم البيان، وأسلوبه معلوم السلامة والنجاح فكيف بغيره ... إنه مطلوب من العقلاء في الأمة علاج هذا الخلل بتعاون مسئول بين العلماء والحكام وذوي الرأي تعاونا يقضي على الفهم السقيم بالتي هي أحسن، والحذر من وضع يفرق ولا يجمع من البعض وبخاصة الحكام؛ ينبغي تمكين العلماء الربانيين وحكماء الناس أن يوضحوا المنهج السوي بالفهم السليم ... والحفاظ على وحدة الأمة على النهج القويم الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فلا يصلحها ويذهب فرقتها وذلها سوى ذلك.

ما الذي جرأ على النيل من أعظم إنسان سوى هذا الوضع المزري الذي جعل أمة الإسلام لا تدفع عن نفسها ولا على أغلى شيء عندها ... ؟


[1]- البخاؤي 3/ 1321، رقم 3414. بتصرف

[2]- الفتح 6/ 618 - 619.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير