تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الحرية والمبادئ]

ـ[د. محمد مشرح]ــــــــ[12 Apr 2006, 06:15 م]ـ

[الحرية والمبادئ]

الحرية التي تمارس بعيدا عن المبادئ ضررها يكمن في التقلب حسب المصالح وهذا جلي في الحرية الغربية؛ فحيث تميل عن الرغبات، وتحيد عن الأهداف ترفض، ويسلك في إفشالها شتى الأساليب.

وعنصر الدين مهم في تأسيس مبادئ لها تحرسها، وتوجهها الوجهة الصائبة غني عن تقريره لدى العقلاء ذوي النظرة الثاقبة ...

ولهذا فإن تفسير التناقض فيها عند الممارسة الميدانية كما يرى البعض بأنه ردة فعل للاستبداد الكنسي غير دقيق ... 1

"و شبيه بذلك مقولة تعميمية أخرى مؤدّاها أن انطلاقة مسيرة الحريات في عصر التنوير الأوربي قد تجاوزت الحقبة الكنسية، فأخذت جذور "الديمقراطية" من عصر الإغريق والرومان، وهي مقولة تنطوي ضمنًا على تبرئة ذلك العصر مقابل إدانة الكنيسة وعصر استبدادها، ومن العسير القبول بذلك وما يراد أن ينبني عليه. " فأرسطوا أوّل من استخدم كلمة "الديمقراطية" في الغرب استخدمها من منظور الازدراء ببعض معاصريه ممّن دعا إلى تمكين "الدهماء" من العامّة من قول ما يريدون، فأولئك لا يفقهون -وفق نظرته- في السياسة ولا سواها، ولا ينبغي الاستماع إليهم في نطاق ما سمّاه الغربيّون المحدَثون "ديمقراطية أثينا".2

"وديمقراطية أثينا تلك لم تتجاوز احتكارَ صناعة القرار في نطاق "علية القوم، أي زهاء 2 إلى 3% من "الشعب"، ولم تعرف انتخاباتٍ ولا فصلَ سلطات ولا أي علامة أخرى واضحة أو حتى في حدود بذور أولية من علامات الديمقراطية الغربية الحديثة. إنما قال بعض معاصريها بجواز السماح للعامّة أن "يقولوا" ما يريدون، فكان ذلك على غرار ما تعرفه الأنظمة الاستبدادية حديثا؛ إذ تسمح بالتعبير عن الرأي بأسلوب "قل ما تشاء .. ونقرّر نحن ما نشاء"، ويسري شبيه ذلك بدرجات متفاوتة على غالبية الدول الديمقراطية الغربية المعاصرة، حيث حرية التعبير مكفولة دستوريا، لكنّ غالبية الأفراد من عامّة المواطنين لا يمتلكون قوّة فاعلة تسمح بتأثير "حرية تعبيرهم" على صناعة القرار، فلا مبالغة في القول إنّها تبقى في الحصيلة حبرا على ورق. 3

أليس في هذا التركيز استهداف المسيحية عبر استهداف الكنيسة، باعتبارها من أديان الوحي الإلهي، لتشمل مقولة التناقض المزعوم بين الحرية -لا سيّما حرية الرأي والتعبير- وبين الدين، سائر أديانِ الوحي دون تمييز .. بل لتشمل الإسلام تخصيصا، فهو الذي يتناول سائر ميادين الحياة، ولا يفصل بين مجال شخصي ما وبين السياسة التي لا تترك مجالا من المجالات دون توجيهه، بما في ذلك المجالات الشخصية للإنسان.4

فيعد تحري الانطلاق من المبادئ الإيمانية والأخلاقية في الإفادة من الحرية حصنا منيعا يقي من الأضرار الناتجة عن تنحيتها، وتحكم أهواء ومصالح ضيقة الأفق فيها؛ تفسد أكثر مما تصلح، وتوصل إلى انسداد خطير أمام التواصل الخير بين الشعوب؛ وهو جهل –لا شك – بالأهداف النافعة بين الأمم على اختلافها؛ والتي أكد عليها الإسلام بشموليته مكانا وزمانا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ فلا ينبغي –أبدا- التعويل فيها على جهلة يفسدون بجهلهم تحقيق الهدف الإنساني بدعوى حرية التعبير ...

وتبقى الجهود التي تبذل بعيدة عن مبادئ تحفظها غير مأمونة العواقب؛ ولو على المدى البعيد؛ فمع أن الحرية في الغرب أعطت فوئد لا بأس بها إلا أن انفلاتها من المبادئ المحصنة لها قد أثبت تخلفها عن وظيفتها في خضم الاحتكاكات المتعددة وهي تقترب الآن من الاحتضار لأنها أُخضعت لأهواء ومصالح قاصرة تحكمت فيها، وخلعت عنها الحيادية التي هي بمثابة العنصر المهم فيها لتعميمها ... وأضحى فرضها بالقوة غير مجدٍ فقد فقد صاحب القوة المصداقية عند توظيفه إياها ضد الآخر ... إن امتهان الدين وحملته وعلى رأسهم الأنبياء عليهم السلام باسم الحرية عرّى القيمة الحقيقية للحرية لفقدها عنصر المبادئ، والتحاكم إلى المنهجية السليمة المنبثقة من دين الله الذي لا يخضع لأي من انحرافات الإنسان؛ إن المنهج الرباني يصبغ الحياة كل الحياة هدفا ووسيلة وأسلوبا بما يحقق للإنسان سعادة لا تبيد؛ وهذا الشمول والاستغراق حددته النصوص الربانية منها على سبيل المثال قوله تعالى {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير