تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[صفوة الأمة بعد الأنبياء 46]

ـ[د. محمد مشرح]ــــــــ[02 Apr 2006, 11:45 م]ـ

الحلقة السادسة والأربعون

تقديم ما يحب الله ورسوله

حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن بن شهاب وقال ثعلبة بن أبي مالك إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطا بين نساء من نساء أهل المدينة فبقي منها مرط جيد فقال له بعض من عنده يا أمير المؤمنين أعط هذا بنت رسول الله e التي عندك يريدون أم كلثوم بنت علي فقال عمر أم سليط أحق به وأم سليط من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله e قال عمر فإنها كانت تزفر [1] لنا القرب يوم أحد [2] فقد نظر إلى أسبقيتها وعملها للإسلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تميله العاطفة؛ عاطفة القرابة؛ قربها من النبي صلى الله عليه وسلم كونها ابنة فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهما، و قربها منه كونها زوجته؛ وهي قاعدة منطلقة من نصوص القرآن بتقديم الأسبق مثل قول الله تعالى {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} [3]

وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) [4]

وقوله (وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ... ) [5]

والحديث ورد ضمن قصة حاطب على النحو التالي: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار سمعته منه مرتين قال أخبرني حسن بن محمد قال أخبرني عبيد الله بن أبي رافع قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله e أنا والزبير والمقداد بن الأسود قال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله e فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله e فقال رسول الله e يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله e لقد صدقكم قال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق قال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم} [6]

وهذا مبدأ راسخ في المنهج الإسلامي، ومستقر في الفطرة؛ في إعطاء أهل السابقة حقهم.وثمة مبدأ آخر مهم مأخوذ من ميزة البدريين بمراعاة جانب الضعف البشري؛ فلن يسلم منه أحد؛ وهذا يقي من تقديس الأشخاص إلى درجة العصمة، فينتج عنه مزلق خطير؛ لغرابة خطأ يبدر منه ممن يعتقد عصمته فينسف كل شيء من مزاياه، وقد أوقع هذا المزلق فئاما من الناس فحرفهم عن النهج القويم وخبطوا خبط عشواء، وعصفوا بكل ميزة للشخص؛ بل قد يخرجونه عن دائرة الإسلام ... والموازنة بين إيجابيات المرء وسلبياته قاعدة نيرة في التعامل مع الناس على أساس أنهم غير معصومين، وأنه يمكن وقوعهم في الخطأ، الذي ينتج عن فهم خاطئ، أو ضعف يعتري النفس بسبب من الأسباب ... ومغالبة العاطفة مشقة لا يغالبها كل أحد إلا من أعين من الله تعالى، ووفق إلى قوة إيمان لا تنهزم أمام العاطفة. فإنها تصبح يسيرة وسهلة بالمجاهدة، والصبر والمصابرة،؛ لقد كان أمير المؤمنين أبو حفص من هذا النوع من الناس لا يقدم على مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مراد أحد.


[1]- تزفر: تخيط. أنظر البخار ري 3/ 1056.

[2]- البخاري 4/ 1494. رقم 3843.

[3]- سورة التوبة

[4]- البخاري 3/ 1343، 3470.

[5]- المرجع السابق 3/ 1095، 2845.

[6]- المرجع نفسه

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير