تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[قضايا مهمة في حياة الأمة]

ـ[عدنان البحيصي]ــــــــ[12 Mar 2006, 02:00 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:

إن الحمد لله نحمده، نؤمن به و نشكره لا نكفره، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ونسأله الزيادة من كل خير، والمعافاة من كل شر، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له ولن تجد له من دون الله ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله إقراراً به وتوحيداً،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إيماناً به وتصديقاً تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك ولا يتنكبها إلا ضال فصلاة ربي وسلامه عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار وعلى من سار على هديهم إلى يوم القرار وبعد:

إن ما تمر به الأمة اليوم من مصائب وشدائد وهزائم، إنما هو بسبب إبتعادها عن المنهل الصافي، والمعين الكافي عن كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، لذا كان لا بد لكل مسلم من وقفة إيمانية نحاسب فيها أنفسنا، ونتحسس نقاط الضعف لكي نحاول محاولة الجاد المتوكل على الله أن نغير ما بأنفسنا حتى يغير الله حالنا، وكانت من ثمار مثل هذه الوقفات الإيمانية هذه الرسالة الموجزة التي تحمل في طياتها وبين سطورها كثيراً من القضايا المهمة التي غفل عنها الكثير من أبناء المسلمين اليوم، وآثرت في كتابتها أن أنقل عن كبار العلماء المشهود لهم بالنصح للأمة، وجعلت جل إعتمادي بعد كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على كلام شيخ الإسلام تقي الدين احمد بن تيمية الحراني، وتلميذه الإمام ابن القيم، والشيخ المجدد المجاهد محمد بن عبد الوهاب_رحمهم الله جميعاً _ وضمنت في هذه الرسالة الموجزة ما يهم للمسلم أن يعرفه في خضم هذا البحر المتلاطم حتي يحيا من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة، وأسميتها {قضايا مهمة في حياة الأمة}

وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعل كلماتي هذه خالصة لوجهه الكريم وأن يغفر لي الخطأ والزلل وهو أعلم بالعمل.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

بقلم: عدنان أحمد البحيصي

[ line]

المبحث الأول

العبودية وواقعنا المعاصر

لا شك أيها الأحباب أن الله تعالى لم يخلق الإنسان عبثاً وإنما خلقه لغاية نبيلة، ومهمة عظيمة، فقال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} الذاريات آية56

إذن فالغاية من خلق الجن والإنسان العبادة، والعبادة اسم جامع شامل لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة منها والباطنة، وحتي تكون العبادة مقبولة ينبغي أن يتوافر فيها شرطان هما:

1_ إخلاص النية لله تعالى لقول جل جلاله: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} البينة آية 5، وتكون إخلاص النية لله تعالى بتوجيه العمل لله تعالى ونسب الفضل له في أن وفق العبد لهذا العمل وعدم إرادة المخلوقين بهذا العمل.

2_اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} آل عمران آية 31

فلا يجوز مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينفع اخلاص بغير اتباع، ولا ينفع اتباع بغير إخلاص.

ومعلوم أن العبودية لله توجب على العبد الإتصال الوثيق بالله تعالى، بحيث لا يرد العبد لله أمراً، بل تصبح نفسه نذراً لله تعالى، فهو يعيش لله ويمشي في الله ويذبح لله ويُقتل في سبيل الله مصداقاً لقوله تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين} الأنعام آية162، حياة متصلة بالله تبارك وتعالى.

إنها العبودية التي تُلزم العبد أن يقول: {سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} البقرة آية285.

لا معني حقيقي للعبودية من غير: عبادة واستسلام وانقياد للمعبود وهو الله جل جلاله لا معبود بحق في الكون إلا هوتعالى.

إن العبد المسلم يستشف مظاهر هذه العبودية ويعبر عنها بالسجود للواحد الأحد ويعلمها علم اليقين عندما يدعو بآرئه تبارك وتعالى قائلاً:" اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن امتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضائك"رواه أحمد.

انظر رحمك الله إلى معاني العبودية والإنقياد والاستسلام والإيمان بقضاء الله والتسليم بحكم الله.

ودعونا أيها الأحباب أن نعرج بكم قليلاً لنرى أمثلة من حياة الصحابة رضوان الله عليهم، لنرى كيف كان الواحد منهم يطبق العبودية حق التطبيق، فهذا الصديق رضي الله عنه يخرج ماله كله في سبيل الله، وهذا عثمان رضي الله عنه يجهز جيش العسرة، وهذا عمرو بن الجموح يأبى أن يتخلف عن الجهاد وهو صاحب العذر قائلاً:"لأطئن بعرجتي هذه الجنة"، هكذا هم الرجال الذين عرفوا معني العبودية لله والأمثلة كثيرة تضيق عن الحصر.

إن العبودية لله أيها الأحباب تعني التجرد من هوى النفس، بل جعل هذا الهوى موافقاً وتبعاً للشرع كما قال الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم:"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجميعن "رواه مسلم

إن العبودية ليست كلمة تلكوها الألسن فقط، إنما هي تطبيق واقعي وعملي، ما فائدة أن أقول أني عبد الله وقلبي معلق بشهوات زائلة، ما الفائدة أن أدعي العبودية لله تعالى_وهي شرف للعبد_ وحياتي مجردة من معاني الحب في الله ورجاء الله، وخشية الله والإستسلام لأمر الله.

ما الفائدة وأنا اجزع عند اول مصيبة وأول حادث ودعونا نقولها صريحة: إنه من تعلق قلبه بالدنيا كانت مصائب الدنيا أشد عليه من أن يصاب في دينه.

لقد تعلق شباب الأمة اليوم بالتوافه من الامور، تعلقوا بالمطرب الفلاني، والممثلة الفلانية، وبفريق الكرة الفلاني، وبعضهم قد تعلق بالمركز الفلاني، وبالمنصب الفلاني، وغيرها.

ثم يأتي بعض هؤلاء مدعياً محبة الله تعالى وصدق من قال مخاطباً إياهم:

تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمري في القياس شنيع

إن كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع

إننا بحاجة اليوم إلى أن نجدد إيماننا، ليرضى ربنا عنا فيغير أحوالنا، فإذا أردنا فعلاً لمنهج الله أن يقوم فلا بد ان نقيمه أولاً في أنفسنا، كما قال الشيخ الشهيد سيد قطب رحمه الله:" (أقم دولة الإسلام في قلبك تقم على أرضك).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير