[جنون القراءة المعاصرة من أين الى أين؟]
ـ[عبدالله حسن]ــــــــ[12 Dec 2005, 03:14 ص]ـ
قرأت هذا الموضوع قبل فترة في موقع الدكتور البوطي و أحببت نقله الى المنتدى بمناسبة الحديث عن القراءات المعاصرة:
عقد المركز الثقافي والاجتماعي في باريس، في سلسلة نشاطاته الثقافية والعلمية، لعام 2001 ندوة بعنوان:
(القرآن بين التفسيرات العلمية والشطحات الذاتية)
يوم 19 أيار من العام الحالي، اشترك فيها الأستاذ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، ببحث عنوانه:
(جنون القراءة المعاصرة: من أين؟ وإلى أين؟).
وكان من جملة المدعويين إلى هذه الندوة الدكتور محمد أركون أستاذ كرسي الدراسات الإسلامية في جامعة السربون وكان قد هيأ بحثاً بعنوان ((تفكيك المصحف))!!. . ولكنه اعتذر في الساعات الأخيرة عن الاشتراك، وعن الإنابة أيضاً. . وها نحن نقدم لزوار الموقع البحث الذي ألقاه الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، في هذه الندوة.
بسم الله الرحمن الرحيم
يتحدث القرآن عن ذاته معرِّفاً، فيقول: {قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر: 39/ 28] أي إنه كتاب يخاطب الناس بلغة عربية واضحة الدلالة، ذات أسلوب قويم.
فما هي اللغة؟
هي الألفاظ المحددة التي يتحرك بها اللسان تعبيراً عن المعنى الذي في الذهن، بعد الاتفاق عليها بين المتكلم والسامع.
إذن، فالكلام لا يسمى لغة إلا إنْ تم العقد على مصطلحاته الدلالية بين المتكلم والسامع، كما يقول ابن جني في كتابه (الخصائص: 1/ 44). فهي في الحقيقة عقد من العقود الدلالية يتم بين طرفين.
فلو اصطلحت ثلة من الناس مع نفسها على التعبير بألفاظ معينة عن معان محددة، لا يكون ذلك لغة خارج نطاق تلك الثلّة، لأنها تشكّل بالنسبة للآخرين طرفاً واحداً منفرداً بنفسه، وهو لا يسمى عقداً.
وهذا هو السرّ في تعدد اللغات بين فئات العالم. . إن الفرنسية ليست معتبرة في مصطلح الدلالة اللغوية عندما أخاطب بها العرب.
كما أن العربية لا تعتبر ذات دلالة لغوية عندما أخاطب بها الفرنسيين، لعدم وجود تعاقد بين طرفي هاتين الجماعتين عليها.
ما هي النتيجة العملية لهذا القرار العلمي الذي اتفق عليه علماء فقه اللغة؟. .
النتيجة أن اللغة لما كان من الواجب أن لا يعتدّ بها إلا بعد الاتفاق من الأطراف التي اعتمدت عليها، فقد كان من الواجب أيضاً أن لا يدخل شيء من التطوير على دلالاتها، إلا بعد الاتفاق على ذلك من الأطراف ذاتها. . وإذا جرى هذا الاتفاق بين أفراد جيل ما فإن ذلك لا يسري إلا عليهم، ولا يكون له أي مفعول رجعي في تغيير دلالات سابقة من الألفاظ على معانٍ، جرى الاتفاق عليها في عهد جيل مضى.
إن القوانين الوضعية كلها تخضع لهذه القاعدة اللغوية. . فهي تنصّ على أن العثور على أيّ وثيقة قديمة تتضمّن عقداً من عقود المعاملات المالية أو غيرها، يستوجب الرجوع في تفسيرها إلى المصطلحات الدلالية السارية في العصر الذي كتبت فيه تلك الوثيقة. . أي فلا يجوز إخضاعها لما جدّ بعد ذلك من مصطلحات مخالفة أو من مقترحات لغوية مطروحة؛ ذلك لأن قصد المتكلم يجب أن يؤخذ بالاعتبار.
ومن النتائج التطبيقية لذلك ما يقرره علماء تفسير النصوص، من أن الكلمة التي نقرؤها في كتاب أو نسمعها من محاضر مثلاً، يجب أن تفسر بالمعنى المتبادر منها، ولا يجوز صرفها إلى أي من الاحتمالات البعيدة، إلاّ بعد الرجوع إلى قصد المتكلم. وهذا ما تجري عليه الأحكام القضائية في المحاكم دائماً.
ومن النتائج التطبيقية أيضاً أن الكلمة إذا تجاذبتها احتمالات متساوية في المعنى المراد منها، وجب التوقف في تفسيرها، والرجوع في ذلك إلى معرفة مراد المتكلم (الخصائص: 1/ 254 وما بعدها).
فهذه النتائج التطبيقية لما يسمى اليوم بعلم (وضع اللغة) محل اتفاق في العمل بها من القوانين السارية في العالم كله. وهي محل اتفاق أيضاً من علماء فقه اللغة وعلماء تفسير النصوص.
* * *
ونعود الآن إلى ما بدأنا حديثنا به، من أن القرآن كتاب يخاطب الناس بإحدى لغاتهم، وهي اللغة العربية، ويتقيّد منها بأعلى درجات الانضباط بقواعدها وأدبياتها.
¥