تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[و قد جائتك أيام الحج أيها العبد الربانى]

ـ[أبو الهيثم]ــــــــ[04 Jan 2006, 12:44 ص]ـ

الحمد لله الذي جعل كلمة التوحيد لعباده حرزاً وحصناً، وجعل البيت العتيق مثابة للناس وأمناً، وأكرمه بالنسبة إلى ذاته تشريفاً له وتحصيناً وأمناً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل الكعبة البيت الحرام قياماً للناس، والشهر الحرام، والهدي، والقلائد، ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض، وأن الله بكل شيء عليم، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، خير نبي اجتباه، وللعالمين أرسله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون، اللهم صل، وسلم، وبارك على نبينا محمد، سيد الخلق، وحبيب الحق، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا، وعنهم يا رب العالمين.

في الإسلام، فضلاً عن العقائد التي تعد أساس الدين، عبادات تنظم علاقة الإنسان بربه، ومعاملات تنظم علاقة الإنسان بأخيه، وإذا صحت العبادات ارتقت المعاملات، وكان ارتقاء المعاملات مؤشراً على صحة العبادات، والعبادات تهدف أول ما تهدف إلى السمو بالإنسان نفساً وقولاً وعملاً، عن طريق إحكام الصلة بالله رب العالمين، والاهتداء بهديه، والتنعم بقربه، والتقلب في رحمته، والارتشاف من عذب شرابه، وقطف ثمار فضله، ومن هذا المنطلق شُرعت العبادات الشعائرية، كالصلاة والصيام والحج.

الحج هو أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو عبادة مالية، بدنية شعائرية، وهو تلك الرحلة الفريدة في عالم الأسفار، ينتقل فيها المسلم ببدنه، وقلبه إلى البلد الأمين الذي أقسم الله به، في القرآن الكريم ليقف في عرفات، وليطَّوَّف ببيت الله الحرام، الذي جعله الإسلام رمزاً لتوحيد الله، ووحدة المسلمين، ففرض على المسلم أن يستقبله كل يوم خمس مرات في صلواته، قال تعالى:قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (البقرة: 144)

ثم فرض عليه أن يتوجه إليه بشخصه، ويطوف به بنفسه في العمر مرة واحدة.

إن هذا البيت العتيق هو أول بيت وُضع للناس، هو أول بيت أُقيم في الأرض لعبادة الله، ومجدِّدُ بنائه الخليل إبراهيم وولده الذبيح إسماعيل، وهما الرسولان الكريمان اللذان جعل الله من ذريتهما هذه الأمة المسلمة، واستجاب دعوتهما الخالصة، وهما يُشيدان هذا البناء العتيد، قال تعالى:َإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (129)

[سورة البقرة-129 - 127]

قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا دعوة إبراهيم وبُشرى عيسى ابن مريم)).

[ابن سعد عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر]

والحج برهان عملي يقدمه المؤمن لربه ولنفسه، على أن تلبية دعوة الله بدافع محبته وابتغاء رضوانه ـ أفضل عنده من ماله، وأهله، وولده، وعمله، ودياره، ومما تتميز به هذه العبادة أنها تحتاج إلى تفرغ تام، فلا تؤدى إلا في بيت الله الحرام.

إذاً لا بد من مغادرة الأوطان، وترك الأهل، والخلان، وتحمُّل مشاقِّ السفر، والتعرض لأخطاره، وإنفاق المال في سبيل رضوانه، وإذا صح أن ثمن هذه العبادة باهظ التكاليف فإنه يصحُّ أيضاً أن ثمرة هذه العبادة باهرة النتائج، حيث قال المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: ((من حجَّ فلم يرْفُثْ ولم يفْسُقْ رَجَعَ من ذنوبه كيومَ ولدته أمه)).

[رواه البخاري 1449، ومسلم 1350]

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير