تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[مقال جميل بعنون (إنسانية محمد)]

ـ[صالح العبد اللطيف]ــــــــ[03 Feb 2006, 05:20 م]ـ

إنسانيّة محمد

حامد بن عبد العزيز الحامد 30/ 12/1426

30/ 01/2006

محمدٌ صفوةُ الباري ورحمتُه

وبغيةُ اللهِ من خلقٍ ومن نسمِ

جاء النبيون بالآيات فانصرمت

وجئتنا بحكيمٍ غيرِ منصرمِ

شريعةٌ لك فجّرْتَ العقولَ بها

عن زاخرٍ بصنوفِ العلمِ ملتطمِ

هكذا قال أحمد شوقي عن خير البرية صلى الله عليه وسلم.

ومهما أكثرت من الثناء على هذا الإنسان فإنما تكثر من الثناء على الإنسانية التي لم تعرف مخلوقا تَمَثّلها كما تمثلها محمد صلى الله عليه وسلم.

وكفاه دليلاً على إنسانيته معجزته الخالدة، وهي القرآن، الذي (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ

وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت:42).

ومن أي جانب أردتَ أن تتحدث عن الإنسانية فسيرة النبي صلى الله عليه وسلم هي القِدْحُ المعلَّى.

إن الإنسانية ليست فلسفة وضعية يصطلح عليها مجموعة أناس يخالفهم فيها غيرهم، ولكنها فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهي مجموعة قيم أخلاقية قد اتفق بنو آدم على استحسانها.

وأي مصلح يتكلم عن الإصلاح فإنما يتحدث عن هذه القيم الإنسانية.

ومهما بلغ هذا المصلح أو ذاك من العظمة فإنه إن استطاع تثبيت بعض القيم الإنسانية فإنه سيغفل عن جوانب أخرى تعجز نفسه عن إدراكها، بل حتى في الجوانب الإنسانية التي يريد تثبيتها، ويسخّر حياته من أجلها قد لا يعطيها حقها اللائق بها، ولا يزنها بميزان عدل، وإنما قد يتطرف بها ذات اليمين أو ذات الشمال.

وأما المصلح العظيم صلى الله عليه وسلم فهو أجل وأعظم من أن يبخس الإنسانية جانباً من جوانبها، وأعظم من ذلك فإنه قد أعطى كل جانب إنساني قدره من غير وكس ولا شطط.

ولكن هذا القسطاس المستقيم للقيم الإنسانية لن يرضي الظالمين؛ لأنه سيحدّ من جشعهم وشهواتهم؛ فتنطلق ألسنتهم وأيديهم لتعلن تمردها على مبدأ العدالة، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:33).

ولو كان هذا التمرد الأخلاقي على عظيم من عظماء البشر لأمكن تحمّله؛ لأن أي عظيم

لا يستطيع أن يدّعي المثالية، بل لا بد أن يعترف بالتقصير في جانب من جوانبه الإنسانية، ولكنه يعتذر عن هذا بما عنده من حسنات تستر هذا النقص الذي هو فيه.

وأما رسولنا صلى الله عليه وسلم فهو كامل في مثاليته؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، قد أدّبه ربه فأحسن تأديبه، فاستحق الثناء من رب العالمين: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4).

والعجب أن يكون هذا التمرد على الإنسانية باسم الإنسانية؛ تبديلاً للحقائق، وتشكيكاً في المسلمات، ونتيجة لهذا التمرد تتحول القيم الإنسانية إلى نزغات بهيميّة تقوم على مبدأ الظلم والبغي والطغيان.

إن الحديث عن الجوانب الإنسانية كلها قد لا يتيسر، ولكن المتيسر هو أن نعرض بعض جوانبها على ضوء الشريعة المحمدية، حتى تستضيء البشرية بهذه الإشراقة الإنسانية.

ولعلنا نستغني عن كثير من المقدمات المنطقية حينما نعلم أن الذنب الذي جناه محمد صلى الله عليه وسلم -في نظر أعدائه- هو اعترافه بالمبادئ الإنسانية.

فاستخدام القوة -مثلاً- أمام القوى المقاتلة ليس مبدأ محمدياً ابتداء، وإنما هو مبدأ إنساني، وحيث إن الإنسانية ممثلة بمحمد صلى الله عليه وسلم أصبح استخدام القوة مبدأ محمدياً.

والإسلام -الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم - لم يقابل بقواته أمماً تقابله بالورود والرياحين، وإنما يقابل جيوشاً مدججة بالسلاح، فما معنى امتلاك تلك الأمم للسلاح؟!

بل إن الإسلام منع من استخدام القوة أمام من لا يملك القوة، كالأطفال، والنساء، والرهبان، ونحوهم، وهذا لأن الأصل في الإسلام هو السلام، وأما استخدام القوة فعارض ينتهي بانتهاء سببه.

ثم إن استخدام القوة في الإسلام لا يكون إلا أمام الجيوش المحاربة، وأما الأفراد فليس من دين الإسلام مقابلتهم بالسلاح، وإنما يُقابَلون بالهدى والصلاح.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير