تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[أخلاق القوة الفلسفة والتطبيق]

ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[19 Apr 2006, 02:01 ص]ـ

أخلاق القوة

الفلسفة والتطبيقد. أحمد إدريس الطعان

كلية الشريعة – جامعة دمشق

بريد إلكتروني: [email protected]

بسم الله الرحمن الرحيم

المحور التمهيدي

من الأنسان نبدأ، فالإنسان هو محور هذه الحياة ومنطلقها، وهو المخلوق المكرم، ? ولقد كرمنا بني آدم ? [سورة الإسراء آية: 70] والمفضل، ? وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ? [سورة الإسراء آية 70] والمسوَّد، والمميز بالعقل، وهو يمكن أن يرتفع بنفسه ليقارَن بالملأ الأعلى، في مقعد صدق، ويباهَى به الملائكة. كما يمكن أن ينحط بنفسه فيصبح أدنى من البهائم ? أولئك كالأنعام بل هم أضل ? [سورة الأعراف آية 179].

هذا الإنسان الخليفة ? إني جاعل في الأرض خليفة ? [سورة البقرة آية 30] وهذا الإنسان المكرم متعه الباري عز وجل بحقوق لا يحق لأحد أن يعتدي عليها أو يهضمها، وعليه واجبات لا بد أن يزاولها، وفي العصر الحديث يُرفع شعار حقوق الإنسان، ويُغض النظر عن واجبات الإنسان، ويصفق كثير من المسلمين لهذا الشعار - حقوق الإنسان-، دون أن يسألوا أنفسهم من هو الإنسان صاحب هذه الحقوق، وما هو مفهوم الإنسان عند من شرع لهذه الحقوق؟ وما هو مفهوم الحق في منظور المشرعين لهذا المبدأ، وما هي الخلفية الفكرية والفلسفية التي أنضجت هذه المبادئ، وأثمرت هذا الشعار؟

إن الإنسان المقصود في المبدأ العالمي المطروح في الهيئة الكبرى لهذا العالم ليس هو نفسه الإنسان المقصود في منظور إسلامنا وديننا، الإنسان المقصود في الميثاق العالمي هو الإنسان المادي الذي لا يؤمن بألوهية ولا وحي ولا غيب ولا يوم أخروي يقف فيه الناس للجزاء.

إنه الإنسان الآلة الميكانيكية الخالية من أي بعد ميتافيزيقي أو روحاني، إنه الإنسان الذي تقف حدود عقله في داخل هذا الكون المنظور المحسوس، وهو الإنسان الذي تقف حدود أمانيه ورغباته في داخل هذه المادة المتلاشية، وهو الإنسان الذي لا يطمع في مستقبل آخر وآمال أخرى خارج هذه الأرض وخارج حدود هذا الكون.

بينما في إسلامنا فإن الإنسان هو المؤمن بالغيب وبالله الواحد الأحد، وبالعالم الآخر، ويعتبر حياته في هذه الدنيا هي الفصل الأول من المسرحية التي لن تتم إلا بإسدال الستار على عالم التكليف، والانتقال إلى عالم الجزاء.

وفي الميثاق العالمي لحقوق الإنسان يٌعتبر الإنسان سيداً الكون، ويده هي اليد الطولى فيه، له أن يتصرف فيه كيف يشاء، وبالحدود التي يوحي بها إليه عقله وضميره، ولذلك فهو يلوث البيئة، ويستنسخ البشر، ويجن البقر، ويدفن النفايات النووية في البلدان الفقيرة، ويلوث البحار، ويعبث في الكون كيفما يشاء. بينما في الإسلام فإن الإنسان ليس سيداً للكون، وإنما هو سيد في الكون، والفارق بين الأمرين عظيم، فكونه سيداً للكون يعني أنه هو المتصرف فيه، والمالك له، بينما حين يكون مسوداً في الكون فهو بمثابة الوالي المكلف بتصريف شؤون ولايته طبقاً لتعاليم مولاه، ولا يحق له أن يصدر قراراته بنفسه وإنما ينفذ قرارات مولاه. [راجع لأستاذنا العلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي محاضرته القيمة التي ألقاها في لندن بعنوان: أيهما أقدر على حماية حقوق الإنسان الله أم الإنسان؟. دار الفكر – دمشق].

أما المجتمعات الغربية ودعاة الحداثة فيقررون أن الإنسان ذاته هو الأولى برعاية هذه الحقوق، وأما الإسلام فيؤكد أن رعاية هذه الحقوق هي لمن بيده الملك والأمر وهو الذي استخلف الإنسان على هذه الأرض ومتعه بالسيادة فيها. [راجع للدكتور سعيد رمضان البوطي " الله أم الإنسان " ص 9].

إن سيادة الإنسان وحقوقه في الإسلام هي خلعة إلاهية وتكريم رباني، وأما في النظم الوضعية فهو حق ذاتي له، استوجبه بذاته ولذاته، ودون فضلٍ لأحدٍ عليه. وقد اقتضى ذلك في هذه النظم الحديثة أن الإنسان هو الذي يشرع لنفسه ولبني جنسه، وأما في الإسلام فإن الإنسان مُستخلَف ومُكرَّم بخلعة التسويد، وعليه أن يقابل ذلك بالخضوع والعبودية لمن بيده الملك والخلق والأمر. [المرجع السابق ص 13 – 14].

المحور الأساسي

أولاً - الفلسفة اليونانية:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير