[لم حجزنا قلوبنا عن الله؟؟؟]
ـ[أبو الهيثم]ــــــــ[26 Dec 2005, 05:15 ص]ـ
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من لوازم الإيمان أن تعرف الواحد الديان معرفة الله شيء، ومعرفة العلوم الإسلامية شيء آخر، قد تستطيع أن تتكلم ساعات طويلة ارتجالاً، ومن دون تحضير بأفصح لغة، وبأصح دليل، وبأعمق تحليل، وأنت لا تعرف الله، تعرفه إذا خفت منه، وتعرفه إذا رجوت جنته، وتعرفه إذا شعرت أنه معك دائماً، وتعرفه حينما توقن أنه يعلم وسيحاسب، وسيعاقب، تعرفه إذا توكلت عليه، تعرفه إذا ذكرته، تعرفه إذا اشتقت إليه.
أيها الإخوة، معرفة الله شيء، وأن تكون متبحراً في العلوم الإسلامية شيء آخر، هذه الخصيصة للمؤمن مستنبطة من قوله تعالى:
وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (المائدة: 83)
إن لم تشعر بالقرب، إن لم تشعر بالحب، إن لم تشعر بأن الله سبحانه وتعالى متفضل عليك فأنت لا تعرفه.
الآن سأورد أقوالا كثيرة حول علامات المعرفة، وهذه مفيدة جداً، من أمارات المعرفة بالله حصول الهيبة منه، فمن ازدادت معرفته ازدادت هيبته، الذي يعرف الله يعظم شعائر الله، وحينما أقول هان أمر الله علينا فهنّا على الله، معنى ذلك نحن لا نعرفه، المعرفة توجب السكون، فمن ازدادت معرفته ازدادت سكينته، الهياج والعنف والصياح والضجيج والسخط، والموقف القاسي، والكلام البذيء هذا لا يعبر عن أنك تعرف الله عز وجل، من علامات المعرفة أنس القلب بالله، فهو يحس أنه قريب منك، ومن كان لله أعرف كان له أخوف، قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء
[سورة فاطر: 28]
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( ... أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ)).
[مسلم عن عمر بن سلمة]
من علامات معرفة الله أن الدنيا تضيق عليه بسعتها، ومن علامات معرفة الله أن الدنيا تتسع عليه بضيقها كيف؟ لو عاش في أجمل مكان، وتناول أطيب طعام، وتمتع بأجمل المناظر، وهذا المكان بعيد عن ذكر الله يضيق به، ولو عاش في غرفة قميئة، وهو ذاكر لله تتسع به، أينما حل إذا كان في هذا المكان ما يقرب إلى الله يأنس به، ولو كان ضيقاً، وإذا كان يبعد عن الله يستوحش منه، ولو كان واسعاً، من عرف الله عز وجل صفا له العيش، فطابت له الحياة، وهابه كل شيء، وذهب عنه خوف المخلوقين، وأنس بالله عز وجل، والمخلوق ينتهي عنده، لا يعبأ لا بتهديده، ولا بوعيده، ولا بإغرائه، لا يتأثر لا بسياط الجلادين، ولا بسبائك الذهب اللامعة، من عرف الله عز وجل قرت عينه بالله، وقرت عينه بالموت، وقرت به كل عين، ومن لم يعرف الله تقطع قلبه عن الدنيا حسرات، من عرف الله زهد فيما سواه، ومن ادعى معرفة الله عز وجل وهو راغب في غير الله كذبت رغبته معرفته، ومن عرف الله أحبه على قدر معرفته به، وخافه، ورجاه، وتوكل عليه، وأناب إليه، ونهج بذكره، واشتاق إلى لقائه، واستحيا منه، وأجلّه، وعظمه على قدر معرفته به.
أيها الإخوة، أي إنسان آتاه الله فكراً وقّاداً بإمكانه أن يقرأ، وأن يحفظ، وأن ينطق بالحق، وأن يجلب عقول الآخرين، هذا شيء، وأن تعرف الله، وأن تتخلق بالكمال البشري، وأن تكون متواضعاً، على الله متوكلاً، إلى ما عنده راجياً، من عقابه خائفاً، راضياً بقضائه وقدره، هذا من علامات المعرفة.
من علامات معرفة الله أن الذي يعرف الله عز وجل لا يطالب، ولا يخاصم، يؤدي الذي عليه، والذي له الخصومة الشديدة إذا خاصم فجر، ليس هذا من أخلاق العارفين بالله، لا يطالب، ولا يخاصم، ولا يعاتب، ولا يرى على أحد له فضلاًَ، لأن الذي خلقه منحه نعمة الوجود، أعطاه ما أعطاه، مكنه مما مكنه، هو لا يرى أن له على أحد فضلاً، بل يرى أن كل ما هو فيه من فضل الله عز وجل، ليس هذا أدباً، بل هو حقيقة.
¥