تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

حَكَى أَبُو بَكْرَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَاهُ فَقَالَ:

يَا عُمَرُ الْخَيْرِ جُزِيتَ الْجَنَّهْ * اُكْسُ بُنَيَّاتِي وَأُمَّهُنَّهْ

وَكُنْ لَنَا مِنْ الزَّمَانِ جُنَّهْ * أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّهْ

فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ يَكُونُ مَاذَا؟

فَقَالَ:

إذًا أَبَا حَفْصٍ لاَذْهَبَنَّهْ فَقَالَ: فَإِذَا ذَهَبْتَ يَكُونُ مَاذَا؟ فَقَالَ:

يَكُونُ عَنْ حَالِي لَتُسْأَلَنَّهْ * يَوْمَ تَكُونُ الاعْطَيَاتُ هَنَّهْ

وَمَوْقِفُ الْمَسْؤولِ بَيْنَهُنَّهْ * إمَّا إلَى نَارٍ وَإِمَّا جَنَّهْ

فَبَكَى عُمَرُ رضي الله عنه حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتَهُ ثُمَّ قَالَ: يَا غُلاَمُ أَعْطِهِ قَمِيصِي هَذَا لِذَلِكَ الْيَوْمِ لاَ لِشِعْرِهِ أَمَا وَاَللَّهِ لاَ أَمْلِكُ غَيْرَهُ.

ص384:

لِمَحَاسِنِ الأخْلاَقِ حُدُودٌ مُقَدَّرَةٌ وَمَوَاضِعُ مُسْتَحَقَّةٌ فَإِنْ تَجَاوَزَ بِهَا الْحَدَّ صَارَتْ مَلَقًا، وَإِنْ عَدْلَ بِهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا صَارَتْ نِفَاقًا. وَالْمَلَقُ ذُلٌّ، وَالنِّفَاقُ لُؤْمٌ، وَلَيْسَ لِمَنْ وُسِمَ بِهِمَا وُدٌّ مَبْرُورٌ وَلاَ أَثَرٌ مَشْكُورٌ.

ص 394:

وَرُوِيَ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ أَتَى الْجُمُعَةَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ انْصَرَفُوا فَتَنْكَبَّ الطَّرِيقَ عَنْ النَّاسِ، وَقَالَ: لاَ خَيْرَ فِيمَنْ لاَ يَسْتَحِي مِنْ النَّاسِ.

ص402:

وَقَدْ حُكِيَ عَنْ الأحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا عَادَانِي أَحَدٌ قَطُّ إلا أَخَذْت فِي أَمْرِهِ بِإِحْدَى ثَلاَثِ خِصَالٍ:

إنْ كَانَ أَعْلَى مِنِّي عَرَفْت لَهُ قَدْرَهُ، وَإِنْ كَانَ دُونِي رَفَعْت قَدْرِي عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ نَظِيرِي تَفَضَّلْت عَلَيْهِ. فَأَخَذَهُ الْخَلِيلُ، فَنَظَمَهُ شِعْرًا فَقَالَ:

سَأُلْزِمُ نَفْسِي الصَّفْحَ عَنْ كُلِّ مُذْنِبٍ * وَإِنْ كَثُرَتْ مِنْهُ إلَيَّ الْجَرَائِمُ

فَمَا النَّاسُ إلا وَاحِدٌ مِنْ ثَلاَثَةٍ * شَرِيفٌ وَمَشْرُوفٌ وَمِثْلٌ مُقَاوِمُ

فَأَمَّا الَّذِي فَوْقِي فَأَعْرِفُ قَدْرَهُ * وَأَتْبَعُ فِيهِ الْحَقَّ وَالْحَقُّ لاَزِمُ

وَأَمَّا الَّذِي دُونِي فَأَحْلُمُ دَائِبًا * أَصُونُ بِهِ عِرْضِي وَإِنْ لاَمَ لاَئِمُ

وَأَمَّا الَّذِي مِثْلِي فَإِنْ زَلَّ أَوْ هَفَا * تَفَضَّلْت إنَّ الْفَضْلَ بِالْفَخْرِ حَاكِمُ.

ص405:

وَأَنْشَدَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

وَلاَ خَيْرَ فِي حِلْمٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ * بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا

وَلاَ خَيْرَ فِي جَهْلٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ * حَلِيمٌ إذَا مَا أَوْرَدَ الأمْرَ أَصْدَرَا

فَلَمْ يُنْكِرْ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ عَلَيْهِ. وَمَنْ فَقَدَ الْغَضَبَ فِي الأشْيَاءِ الْمُغْضِبَةِ حَتَّى اسْتَوَتْ حَالَتَاهُ قَبْلَ الإغْضَابِ وَبَعْدَهُ، فَقَدْ عَدِمَ مِنْ فَضَائِلِ النَّفْسِ: الشَّجَاعَةَ، وَالأنَفَةَ، وَالْحَمِيَّةَ، وَالْغَيْرَةَ، وَالدِّفَاعَ، وَالأخْذَ بِالثَّأْرِ؛ لِأَنَّهَا خِصَالٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْغَضَبِ. فَإِذَا عَدِمَهَا الإنْسَانُ هَانَ بِهَا وَلَمْ يَكُنْ لِبَاقِي فَضَائِلِهِ فِي النُّفُوسِ مَوْضِعٌ، وَلاَ لِوُفُورِ حِلْمِهِ فِي الْقُلُوبِ مَوْقِعٌ.

ص408:

وَسَبَبُ الْغَضَبِ هُجُومُ مَا تَكْرَهُهُ النَّفْسُ مِمَّنْ دُونَهَا، وَسَبَبُ الْحُزْنِ هُجُومُ مَا تَكْرَهُهُ النَّفْسُ مِمَّنْ فَوْقَهَا.

وَالْغَضَبُ يَتَحَرَّكُ مِنْ دَاخِلِ الْجَسَدِ إلَى خَارِجِهِ، وَالْحُزْنُ يَتَحَرَّك مِنْ خَارِجِ الْجَسَدِ إلَى دَاخِلِهِ.

فَلِذَلِكَ قَتَلَ الْحُزْنُ وَلَمْ يَقْتُلْ الْغَضَبُ لِبُرُوزِ الْغَضَبِ وَكُمُونِ الْحُزْنِ. وَصَارَ الْحَادِثُ عَنْ الْغَضَبِ السَّطْوَةَ

وَالانْتِقَامَ لِبُرُوزِهِ، وَالْحَادِثُ عَنْ الْحُزْنِ الْمَرَضَ وَالأسْقَامَ لِكُمُونِهِ. وَلِذَلِكَ أَفْضَى الْحُزْنُ إلَى الْمَوْتِ وَلَمْ يُفِضْ

إلَيْهِ الْغَضَبُ. فَهَذَا فَرْقٌ مَا بَيْنَ الْحُزْنِ وَالْغَضَبِ.

ص425:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير