قلت: أي إن الإضافات في هذه الأمثلة من إضافة المخلوق إلى الخالق عز وجل كقوله: {أَتَى أَمْرُ اللّهِ}، أي مأموره، وقوله عن عيسى: إنه كلمته وكلمة منه أي أنه كان وخلق بالكلمة التي هي كلمة الله التي يخلق بها، قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ. فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ}. الآية.
وقوله للجنة: أنت رحمتي، وللنار: أنت عذابي، من إضافة المخلوق إلى الخالق.
وكل هذه الأشياء المذكورة أعيان قائمة بنفسها فإضافتها إلى الله من إضافة المخلوق إلى الخالق.
وذكر شيخ الإسلام هذه القاعدة العظيمة في موضع آخر (2) وجعل المضاف إلى الله في الكتاب والسنة ثلاثة أقسام ومثَّل لإضافة الصفة إلى الموصوف بقوله تعالى: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ}.
وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}، وقوله " اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك ".
قال وفي الحديث الآخر " اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق ".
ومثَّل لإضافة المخلوقات إلى الخالق بقول الله تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}، وقوله تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ}، وقوله: {رَّسُولُ اللَّهِ} [الفتح: 29] و {عِبَادَ اللَّهِ} [الصافات: 40]،وقوله: {ذُو الْعَرْشِ} [البروج: 15]، وقوله: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}.
ثم قال -رحمه الله - فهذا القسم لا خلاف بين المسلمين في أنه مخلوق.
كما أن القسم الأول لم يختلف فيه أهل السنة والجماعة في أنه قديم وغير مخلوق ".
وقد لخص هذه القاعدة الشيخ عبد الرحمن بن حسن -رحمه الله- في (فتح المجيد) (3).
ثانياً – ومن القواعد التي يجب مراعاتها عند تفسير كلام الله وعند شرح كلام رسول الله ?: حمل المبهم على المبين والمطلق على المقيد.
فإذا لم يراع هذه القواعد وقع في الزلل وفي القول على الله بغير علم.
ومن القواعد التي يجب مراعاتها في باب التوحيد وإثبات صفات الله: أن يثبت لله ما أثبت لنفسه وما أثبته له رسوله ? من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل على أساس قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، وقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1} اللَّهُ الصَّمَدُ {2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ {3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ {4}، وقوله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}، أي: نظيراً وشبيهاً.
فإذا لم يراعِ العالم وطالب العلم هذه القواعد في أبواب تفسير كلام الله أو شرح وبيان حديث رسول الله ? وقع في الزلل والقول على الله بغير علم.
وسوف أسوق في هذا البحث بعض الأحاديث التي نصّ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على إكرام الله بعض عباده المؤمنين العاملين بأن يظلهم الله في ظل عرشه منها:
1 - حديث أبي هريرة
قال الإمام الترمذي في الجامع (2/ 575) حديث 1306):
حدثنا أبو كريب, قال:حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي, عن داود بن قيس, عن زيد بن أسلم, عن أبي صالح, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: (من أنظر معسراً أو وضع له, أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه, يوم لا ظل إلا ظله).وفي الباب عن أبي اليسر, وأبي قتادة, وحذيفة, وابن مسعود وعبادة, وجابر.
حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/ 359).
قال:حدثنا إسحاق بن سليمان حدثنا داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة وساق المتن مثله إلا أنه قال: (أظله الله في ظل عرشه يوم القيامة).
وهو حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه, كما قال الإمام الترمذي.
2 - 3 حديث معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت
قال الإمام أحمد في المسند (5/ 236 - 237):
حدثنا وكيع حدثنا جعفر بن برقان, عن حبيب بن أبي مرزوق ,عن عطاء بن أبي رباح , عن أبي مسلم الخولاني قال أتيت مسجد أهل دمشق فإذا حلقة فيها كهول من أصحاب النبي ? وإذا شاب فيهم أكحل العين براق الثنايا كلما اختلفوا في شي ردوه إلى الفتى فتى شاب.
¥