تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لا يزال السياق القرآني يصف لنا أوصاف نفوس المنافقين، ويخبرنا أنها نفوس ماكرة خبيثة، فإذا لقوا وقابلوا المؤمنين، قالوا آمنا، واتبعنا الهدى، ويقومون بالشعائر الدينية مثلهم تماماً، ولكن إذا واجهوا سادتهم اليهود والمشركين قالوا لهم مطمئنيهم نحن معكم، وموالينكم، ومؤيدينكم، ولكننا نستهزئ، ونجامل أولئك السفهاء،ولكن لا تخافون فنحن معكم وسنعاضدكم، ولن نكون في صف هؤلاء أبداً، تلك هي الصورة الجديدة التي فهمها محمد عليه السلام، وفهم منها أنه أمام مواجهة صفاً خطيراً من ألد الأعداء، والعقبات الكأداء، إذا أنهم في داخل الصف الإسلامي، ويتحدثون بلغة القوم، ويقرأون القرآن، ويؤدون الأعمال تقية من القتل، ولكن كل ذلك كانت تكشفه الآيات البينات.

إن تلك الصفات الغريبة في المجتمع المدني، فتحت باباً آخر لحرب الدعوة بإسم الإسلام، وهذه والله من الصعوبة بمكان، حيث الرسول صلى الله عليه وسلم تتنزل عليه تلك الآيات، وهو صابر بحكمة بالغة، فهو لا يريد أن يفتح جبهة مع بني عقيدته، وهذا قد يجر على الأمة الفتنة في دينهم ودنياهم، ويكون عقبة في نشر الدعوة الإسلامية، فالناس بطبيعتهم لا تقبل الظلم، ولا سفك الدماء خصوصاً في مثل تلك الظروف العصيبة، فكيف لو سمع الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل أناس من أصحابه، فهل ذلك سيخدم الدعوة، هل ذلك سيصدقه الناس خصوصاً في عصور الجهل بدين الإسلام، هل ذلك العمل سيخدم دين الله أم أنه سيجر الويلات على المجتمع، ويحول دون دخول الناس في الدين؟ وهذه خطوة خطيرة لو أقدم عليها الداعية الأول محمد صلى الله عليه وسلم، وحاشاه أن يفعل ذلك فلقد كان قائداً للأمة الإسلامية في الحكم، وفي الميدان، وفي حفر الخندق، وفي الشورى، وفي كل أمور المسلمين كانت له البصيرة الثاقبة لكل ما تحتاجه دعوته، لذلك كان هو الإمام المنصف، والنبي المرسل، والمقاتل الشجاع، وإن العبارات حقيقة لا أستطيع أن أوفيه عليه الصلاة والسلام حقه في المدح والتبجيل في هذه العجالة.

إن المنافقين كانوا معرضين عن الدعوة متبعين غير هدى الله، وذلك نزولاً لرغباتهم، وشهواتهم، التي حالت دون وصل قلوبهم للحق، فهم يستهزءون بالمؤمنين، ويقولون آمنا ومن تلك العبارات التي يعتقدون أنها تنطلي على النبي وأصحابه، ونسوا أن الله معز جنده، وهازم أعداء الدعوة في كل زمان ومكان.

الوقفات:

1 - المخادعة والمجاملات على حساب الدين صفة من صفات المنافقين.

2 - كشفت الآيات تولي المنافقين لأحبار اليهود والمشركين (شياطينهم).

3 - الاستهزاء بالدين وأهله، وتسفيه عقول الصالحين من طبيعة المنافقين.


آيات ووقفات (الحلقة التاسعة عشرة)
الله يستهزئُ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون (15) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين (16)

بعدما وصف الله عز وجل حال المنافقين، وأن ظاهرهم يخالف باطنهم، وأنهم إذا اجتمعوا مع المؤمنين أظهروا الورع، والتقوى، وإذا اجتمعوا بأشرار اليهود والمشركين وسادتهم المنافقين، قالوا لهم إننا فقط نجاملهم و نسخر منهم، وإلا فإننا معكم، ولا تخشوا تزحزحنا عنكم أبداً، تلك النفوس المريضة بمرض الشك، وبغض الحق وأهله، أصبحت غارقة في أوحال الضلال، فلم تعد تنفعهم موعظة، ولا توقظ غفلتهم الآيات، فلأنهم يستهزئون بالمؤمنين الصادقين (الله يستهزئ بهم) قال السعدي رحمه الله: فمن استهزائه سبحانه بهم أن زين لهم ما كانوا فيه من الشقاء والأحوال الخبيثة حتى ظنوا أنهم مع المؤمنين نوراً ظاهراً، فإذا مشى المؤمنون بنورهم طفئ نور المنافقين وبقوا في الظلمة بعد النور متحيرين، فما أعظم اليأس بعد الطمع (ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم)، وقوله (يمدهم) أي يزيدهم (في طغيانهم) أي في فجورهم وكفرهم (يعمهون) أي حائرون انتهى. لقد جازاهم الله عز وجل بأن زين لهم باطلهم، وأعمى بصيرتهم، وأفسد مخططاتهم، وأخفض رايتهم، ومزق شملهم، وكشف زيفهم، وتركهم غارقون في فجورهم، غائضة صدورهم، فللمؤمنين النور التام يوم القيامة، ولهؤلاء الظلام والندامة، للمؤمنين السعادة والحبور، وللمنافقين الشقاء والثبور، جزاء لهم على سوء صنيعهم والعياذ بالله (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى)
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير