تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولكن سيبويه ـ على الرغم من سماع الخليل الرفع ـ ينص على أن النصب أكثر في كلام العرب حيث قال:

والنصب أكثر في كلام العرب، كأنه قال: ولكن زنجياً عظيمَ المشافر لا يعرف قرابتي. ولكنه أضمر هذا كما يُضمر ما بني على الابتداء نحو قوله عزّ وجلّ: " طاعةٌ وقولٌ معروفٌ "، أي طاعةٌ وقولٌ معروفٌ أمثل. وقال الشاعر:

فما كنتُ ضفّاطاً ولكن طالباً ... أناخ قليلاً فوق ظهر سبيلِ

أي ولكن طالباً منيخاً أنا. يحاول سيبويه في هذه الفقرة أن يثبت أن أن النصب أكثر من ناحية الصنعة؛

فيقول أن (زنجي) في بيت الفرزدق يجوز فيها النصب على حذف الخبر، ويكون التقدير هكذا:"كأنه قال: ولكن زنجياً عظيمَ المشافر لا يعرف قرابتي."،ويحاول سيبويه أن يورد شواهدا على جواز حذف الخبر عامة؛ فيورد شاهدين، أحدهما:"قوله عزّ وجلّ: " طاعةٌ وقولٌ معروفٌ "، والتقدير "أي طاعةٌ وقولٌ معروفٌ أمثل والآخر: "وقال الشاعر:

فما كنتُ ضفّاطاً ولكن طالباً ... أناخ قليلاً فوق ظهر سبيلِ"

والتقدير " أي ولكن طالباً منيخاً أنا."

وإذا كان سيبويه قد بين في الفقرة السابقة أن النصب أكثر ـ فإنه سيحاول في الفقرة التالية أن يثبت أن النصب أجود حيث قال:

فالنصب أجود؛ لأنه لو أراد إضماراً لخفّف، ولجعل المضمَر مبتدأ كقولك: ما أنت صالحاً ولكنْ طالحٌ

يورد سيبويه في هذه الفقرة علة حكمه بالجودة على النصب، فنراه يدعي أن الرفع في مثل هذا الأسلوب (إضمار اسم الحرف الناسخ (إن ولكن وكأن) وبقاء الخبر بعده مرفوعا) لا يكون إلا بتحقق شروط معينة وهي: تخفيف الحرف الناسخ، وجعل المضمر أو المحذوف هو المبتدأ (في المعنى)، وهذه الشروط تحققت في مثاله:"ما أنت صالحاً ولكنْ طالحٌ ".

ولكن سيبويه يستشعر أن ما ذهب إليه من شروط معارض بشاهد شعري، فيسبق خصومه محاولا تفنيد هذا الشاهد وتوجيهه، فيقول:

وأما قول الأعشى:

في فتيةٍ كسيوف الهند قد علموا ... أنْ هالكٌ كلُّ مَن يحفى وينتعلُ

فإن هذا على إضمار الهاء، لم يحذفوا لأنْ يكون الحذف يُدخله في حروف الابتداء بمنزلة إن ولكن، ولكنهم حذفوا كما حذفوا الإضمار، وجعلوا الحذف علَماً لحذف الإضمار في إن، كما فعلوا ذلك في كأن.

فإن هذا على إضمار الهاء: يقصد هاء ضمير الشأن المحذوف وهو اسم أن.

لم يحذفوا: أي لم يحذفوا المبتدأ (في المعنى) "وهو كل من يحفى وينتعل "كما اشترط في مثل هذا الأسلوب.

لأنْ يكون الحذف يُدخله في حروف الابتداء بمنزلة إن ولكن: انتبهوا معي جيدا، هذه الجملة هي سبب عدم جريان هذا الشاهد على ما ادعى سيبويه من شروط، إن سيبويه يزعم أن العرب فرّقت بين (أن) وبين إن ولكن وكأن (وهي ماعبر عنها بقوله حروف الابتداء حيث يصح أن تقع في بداية الجملة على عكمن أن) في استعمال هذا الأسلوب، فشروطه تنطبق على (إن) و (لكن) و (كأن) دون (أن).

ولكنهم حذفوا (الهاء في هذا البيت وهي اسم أن) كما حذفوا الإضمار (وهو المبتدأ مع (إن) و (لكن) و (كأن) دون (أن))، وجعلوا الحذف (حذف المبتدأ مع (إن) و (لكن) و (كأن) دون (أن)) علَماً (دليل وخاصية) لحذف الإضمار (المبتدأ مع (إن) و (لكن) و (كأن) دون (أن)) في إن، كما فعلوا ذلك في كأن (وكما فعلوه أيضا في لكن)

هذا والله أعلم ...

والسلام!

ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[29 - 04 - 2007, 05:35 ص]ـ

بوركتم جميعا إخواني الكرام

أبا بشر الموفق

نحن بانتظار المزيد من دررك، ورأيكم في تفسير أخينا جلمود سدده الله.

كما ننتظر أخانا علي المعشي وأخانا أحمد الفقيه، ولعل أحمد ينقل لنا تفسير السيرافي إن لم يكن مشغولا.

مع التحية الطيبة.

ـ[علي المعشي]ــــــــ[29 - 04 - 2007, 10:16 م]ـ

مرحبا شيحنا د. الأغر

أعتذر عن تأخري، وما ذاك إلا لأن جهازي ما زال في الصيانة حتى الساعة، ما ألجأني إلى استعارة جهاز صديق شوقا إلى الفصيح وأحبتي هنا، وإليك محاولتي التي أكتبها على عجل:

وأما قول الأعشى:

في فتيةٍ كسيوف الهند قد علموا ... أنْ هالكٌ كلُّ مَن يحفى وينتعلُ

فإن هذا على إضمار الهاء، لم يحذفوا لأنْ يكون الحذف يُدخله في حروف الابتداء بمنزلة إن ولكن، ولكنهم حذفوا كما حذفوا الإضمار، وجعلوا الحذف علَماً لحذف الإضمار في إن، كما فعلوا ذلك في كأن.

لما جاءت (أن) مخففة ووليتها جملة اسمية من مبتدأ وخبر أراد سيبويه ـ رحمه الله ـ أن يرفع التباس التخفيف هنا بتخفيف إن ولكن حيث يؤدي تخفيف الأخيرتين إلى إلغاء عمل (إنْ) غالبا وإن جاز إعمالها بشروط، أما (لكن) فيجب إهمالها.

فمعنى كلامه:

" ... فإن هذا على إضمار الهاء، لم يحذفوا لأنْ يكون الحذف يُدخله في حروف الابتداء بمنزلة إن ولكن ... " (لم يحذفوا) أي لم يحذفوا نون (أن) والمراد أن تخفيف (أن) لم يلغ عملها فتصبح حرف ابتداء مهمل مثل (إن ولكن) المخففتين المهملتين حيث تعرب الجملة الاسمية بعدهما مبتدأ وخبرا فحسب، وإنما خففت (أن) على أن اسمها ضمير محذوف (ضمير الشأن) والجملة الاسمية بعدها إنما هي خبر أن.

وقوله رحمه الله:

" ... ولكنهم حذفوا كما حذفوا الإضمار ... "

ربما أراد أن حذف نون (أن) مثل حذف ضمير الشأن من حيث أن كلا من المحذوفين (النون، ضمير الشأن) ظل معتبَرا حتى في حال الحذف فـ (أن) بقيت على عملها بعد الحذف (التخفيف) كما لو كانت مشددة وكذلك ضمير الشأن أُعد اسما لـ (أن) رغم أنه محذوف.

وأما قوله:

" ... وجعلوا الحذف علَماً لحذف الإضمار في إن، كما فعلوا ذلك في كأن"

كان بودي التحقق: هل الحرف المذكور هنا هو (إن) بالكسر أو (أن) بالفتح؟ ولكن النسخة الورقية من الكتاب ليست عندي.

وعموما إن كان الحرف هو (أن) بالفتح فربما يكون المراد التشابه بين (أن، كأن) من حيث الإعمال مع التخفيف ومن حيث كون اسم كل منهما ضمير الشأن المحذوف، وإن أجاز بعض النحاة في اسم (كأنْ) المخففة أن يكون اسما ظاهرا مذكورا ولكن ذلك قليل.

أما إن كان الحرف المذكور هو (إن) بالكسر كما جاء في النقل فربما يختلف التفسير، ولا أود الخوض فيه إلا بعد أن يتكرم شيخنا الأغر بتحديد المراد.

هذا والله أجل وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير