تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قد قلت سيدي:

فالمضمر في كل هذا ضمير الشأن، ولم يصب من زعم أن المحذوف في (كأن ظبية) هو الضمير العائد للمرأة الموصوفة، وإنما هو ضمير الشأن كما في (كأنْ ثدياه حقان)، أي كأنّه هي ظبية، أو كأنه ظبية تعطو تلك المرأة يعني أن ما بعد (كأنْ) المخففة جملة من مبتدأ وخبر k واسمها ضمير الشأن،

سيدي، لا يلجأ إلى تقدير ضمير الشأن إلا إذا تعذر غيره، ولماذا نقدر ضمير الشأن ثم نقدر ضمير يعود على المرأة (هي)؟! أظن أن جعل اسم كأن هو الضميرالعائد على المرأة أسلم صناعة وتأويلا ومعنى، وهو ما اختاره جل النحويين:

قال الشنتمري في شرح الشواهد:

" الشاهد فيه رفع ظبية على الخبر وحذف الاسم مع تخفيف كأن والتقدير كأنها ظبية ... وصف امرأة حسنة الوجه فشبهها بظبية ... "

وقال العكبري في علل البناء والأعراب:

فيوماً توافينا بوجهٍ مقسَّمٍ ... كأنْ ظبيةً تعطوا إلى وارفِ السَّلَمْ فيروى بالرفع مع الإلغاء والتقدير كأنهَّا ظبية

وقال الرضي في شرحه على الكافية:

: 859 - ويوما توافينا بوجه مقسم * كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم 6 برفع ظبية، يجوز أن يكون (ظبية تعطو) جملة اسمية، وأن يكون (تعطو) صفة ظبية، واسم كأن محذوف، أي: كأنها ظبية ...

وقال ابن هشام في أوضح المسالك (وذكر نحوه في شرح الشذور وفي شرح القطر):

كَأَنْ ظَبْيَةٌ تَعْطُو إلَى وَارِقِ السَّلَمْ ... ) يروى بالرفع على حذف الاسم: أي كَأَنَّها ...

وقال البغدادي في الخزانة:

"وقوله: هذا على قوله إنه بك ... إلخ، يريد أن اسم إن ضمير شأن محذوف، وأما اسم كأن في البيتين، ولكن في بيت الفرزدق فغير ضمير الشأن، ومراده التشبيه بمطلق الحذف لا بخصوص ضمير الشأن، بدليل قوله: أي كأنها ظبية، والضمير للمرأة المحدث عنها، وبدليل بيت الفرزدق. ".

وقال الأزهري في التهذيب:

قال الرياشي: سمعت أبا زيد يقول: سمعت العرب تنشده: كأن ظبيةً وكأن ظبيةٍ وكأن ظبيةٌ، فمن نصب خفف كأن وأعملها، ومن كسر أراد كظبيةٍ، ومن رفع أراد كأنها ظبيةٌ.

وقال ابن منظور في لسان العرب:

وقال أَبو سعيد سمعت العرب تُنشِد هذا البيت ويومٍ تُوافينا بوَجْهٍ مُقَسَّمٍ كأَنْ ظَبْيَةً تَعْطُو إلى ناضِرِ السَّلَمْ وكأَنْ ظَبْيَةٍ وكأَنْ ظَبْيَةٌ فمن نَصَبَ أَرادَ كأَنَّ ظَبْيَةً فخفف وأَعْمَل ومَنْ خفَض أَراد كظَبْيَةٍ ومَن رفع أَراد كأَنها ظبْيَةٌ فخفَّفَ وأَعْمَل مع إضمارِ الكِناية ...

وسأكمل ـ إن شاء الله تعالى ـ باقي التساؤلات والملاحظات تباعا،

والسلام!

ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[08 - 05 - 2007, 03:11 م]ـ

أشكرك أخي الكريم جلمود على هذا الثناء الذي أدعو الله أن يبلغني استحقاقه، ومرحبا بنقاشك المثمر بإذن الله.

ودعنا نناقش هذا الأمر وننته منه ثم بعد ذلك ننتقل إلى أمر وتساؤل آخر.

وقال البغدادي في الخزانة:

اقتباس:

"وقوله: هذا على قوله إنه بك ... إلخ، يريد أن اسم إن ضمير شأن محذوف، وأما اسم كأن في البيتين، ولكن في بيت الفرزدق فغير ضمير الشأن، ومراده التشبيه بمطلق الحذف لا بخصوص ضمير الشأن، بدليل قوله: أي كأنها ظبية، والضمير للمرأة المحدث عنها، وبدليل بيت الفرزدق. ".

أخي الكريم كنت على علم بأقوال النحويين في هذا البيت، ولكن مذهب سيبويه في نظري مخالف لهذا الفهم، فليس في كلام سيبويه ما يفهم منه أن المحذوف هو ضمير المرأة، وقول البغدادي:

بدليل قوله: أي كأنها ظبية،

هذا شرح لكلام الرضي، وليس لكلام سيبويه، فليس في كلام سيبويه مثل هذا التقدير. فلا دليل في هذا الكلام على مذهب سيبويه.

وكذلك قوله: وبدليل بيت الفرزدق، لا دليل فيه، بل العكس هو الصحيح ففي توجيه سيبويه لهذا البيت دليل على أنه أراد أن الاسم المحذوف ضمير شأن لأنه قال: أضمر هذا كما يضمر ما بني على الابتداء، فحكمَ أن زنجيا مبتدأ حذف خبره، فلم يبق إلا أن يكون اسم لكن ضمير الشأن، لأنها مشددة ليست بمهملة.

لذلك يمكن القول بأن مراد سيبويه قد خفي في هذه المسألة على كل هؤلاء النحويين.

أما قولك:

لا يلجأ إلى تقدير ضمير الشأن إلا إذا تعذر غيره، ولماذا نقدر ضمير الشأن ثم نقدر ضمير يعود على المرأة (هي)؟! أظن أن جعل اسم كأن هو الضميرالعائد على المرأة أسلم صناعة وتأويلا ومعنى، وهو ما اختاره جل النحويين:

فليس بمسلم، فمن حيث الصناعة كون اسم (إن) وأخوتها ضمير شأن أشيع من كونه ضميرا عائدا إلى مذكور، وهذه الحروف وإن كانت تشبه الفعل ولكن لا ترقى إلى درجة أن يكون اسمها ضميرا يعود إلى مذكور كالأفعال، بل إني لا أعلم ورود ذلك في كلامهم، ولو جاز ذلك لجاز أن نقول: زيد إن منطلق، بمعنى: إنه منطلق.

وأما من حيث المعنى فليس المعنى على ما زعموا:

ويوما توافينا بوجه مقسم كأنها ظبية تعطوا إلى وارق السلم، فليس المراد تشبيه المرأة بالظبية بجامع الجمال، وإنما المراد أن يشبه شأن امرأته بشأن الظبية الراتعة بأمان، بدليل أنه قال بعد ذلك:

ويوما تريد مالنا مع مالها ... فإن لم ننلها لم تُنمنا ولم تنم

نظل كأنا في خصوم غرامة ... تسمّع جيراني التألي والقسم

فقلت لها إلا تناهي فإنني ... أخو النكر حتى تقرعي السن من ندم

فهو يريد تشبيه شأنها بشأن الظبية الآمنه لا تشبيه جمالها بجمال الظبية، والله أعلم، فتبين أن توجيه النحويين ضعيف صناعة ومعنى، والقول عندي ما قاله سيبويه.

وكذلك قول الفرزدق:

فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي ... ولكن زنجي عظيم المشافر

ليس المعنى على: ولكنك زنجي، وإنما المعنى: ولكن الشأن زنجي عظيم المشافر جاهل بقرابتي، أي: شأنك شأن هذا الزنجي، وفرق بين أن تقول: أنت زنجي، وبين: شأنك شأن زنجي. والله أعلم.

مع التحية الطيبة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير