لأن الشأن معه ملابسة له أحسن من أن يجروا المظهر على المضمر: وهي عبارة موهمة مضطربة، خاصة وقد وردت في إحدى النسخ التي يصفها عبد السلام هارون بأنها أصح نسخة من كتاب سيبويه وهي طبعة ديرنبورغ ـ قد وردت فبها "شأنك " بدلا من "الشأن"، وهذا هو الثابت في طبعة بولاق مصر، وإذا اعتمدنا النسخة التي نقل منها شيخنا الأغر بل واعتمدنا أيضا علامة الترقيم التي وضعها شيخنا وهي الشرطة (ـ) حيث نقل فقال:
لأن الشأن معه ملابسة له ـ أحسن من أن يجروا المظهر على المضمر.
أقول إذا اعتمدنا كل ذلك فإن جملة (معه ملابسة له) تكون في محل نصب على الحالية، وتكون كلمة (أحسن) مرفوعة على خبر الناسخ، والمعنى أن جعل كلمة "الشأن" لها ملابسة ومعية مع كلمة أخرى أفضل وأحسن من جعلها لا ملابسة لها ولامعية وذلك إذا اعتبرنا زيدا معطوفا على الكاف، وأنبه أن تفسيرنا هذا هو خلط وجمع بين النسخ، فالنسخة التي فيها "الشأن" ضبطها محققها بالنصب، والنسخة التي فيها "شأنك" ضبطها محققها بالرفع، ولعله سهو ممن نصب، أو أنه اطلع وعرف وفهم ما لم نطلع عليه أو نعرفه أو نفهمه؛ فلا نسارع في تخطئته، ولكن نلتمس له العذر.
ويوضح معنى الجمل السابقة (فكان أن يكون زيد على فعلٍ وتكون الملابسة على الشأن، لأن الشأن معه ملابسة له) وما ذهبت إليه فيهم ـ قولُ سيبويه في أول هذا الباب:
باب منه يضمرون فيه الفعل لقبح الكلام إذا حمل آخره على أوله
وذلك قولك: مالك وزيداً، وما شأنك وعمراً. فإنما حد الكلام ههنا: ما شأنك وشأن عمرو. فإن حملت الكلام على الكاف المضمرة فهو قبيح، وإن حملته على الشأن لم يجز لأن الشأن ليس يلتبس بعبد الله، إنما يلتبس به الرجل المضمر في الشأن. فلما كان ذلك قبيحاً حملوه على الفعل، فقالوا: ما شأنك وزيداً، أي ما شأنك وتناولك زيداً
أحسن من أن يجروا المظهر على المضمر: أي أن النصب أحسن من عطف زيد على الكاف؛ لأنه لا يجوز العطف (عطف الاسم الظاهر) على الكاف إلا بعد إعادة الجار عند سيبويه، وأجازه الكسائي.
فإن أظهرت الاسم في الجر: وذلك بأن تجعل الكاف اسما ظاهرا فتقول مثلا: ما شأن عبدالله وأخيه، ويوضح ذلك قول سيبويه:
فإذا أظهر الاسم فقال: ما شأن عبد الله وأخيه يشتمه فليس إلا الجر، لأنه قد حسن أن تحمل الكلام على عبد الله، لأن المظهر المجرور يحمل عليه المجرور.
عمل عمل (كيف) في الرفع: ولن يفهم هذا الكلام إلا إذا رجعنا إلى الخلف قليلا وأوردنا قول سيبويه في الباب السابق وعنوانه: باب معنى الواو فيه كمعناها في الباب الأول إلا أنها تعطف الاسم هنا على ما لا يكون ما بعده إلا رفعاً على كل حال، حيث قال فيه:
وكذلك: كيف أنت وعبد الله، وأنت تريد أن تسأل عن شأنهما، لأنك إنما تعطف بالواو إذا أردت معنى مع على كيف، وكيف بمنزلة الابتداء، كأنك قلت: وكيف عبد الله، فعملت كما عمل الابتداء لأنها ليست بفعل، ولأن ما بعدها لا يكون إلا رفعاً ...
وكيف أنت وزيد، وأنت وشأنك، مثالهما واحد، لأن الابتداء وكيف وما وأنت، يعملن فيما كان معناه مع بالرفع (وهذا هو وجه الشبه عندي) فيحسن، ويحمل على " المبتدأ كما يحمل على " الابتداء.
يقصد سيبويه ـ والله أعلم ـ أن يقول:
إذا أظهرت الضمير فجعلته اسما ظاهرا في قولنا "ما شأنك وزيدا " فيصير "ما شأن عبدالله وزيد " فعليك بالعطف جرا كما عطفت رفعا في قولك: كيف أنت وزيد، فالتقدير في كليهما:
كيف أنت وزيد ـــــــــــــــــــــــــــ كيف أنت وكيف زيدٌ
ما شأن عبد الله وزيد ـــــــــــــــــــــــــــ ما شأن عبد الله وشأن زيدٍ
والله أعلم!
ولا أنسى أن أشكر مشرفينا الكرام على قبولهم رجائنا، فلله درهم متواضعين ومتعاونين!
والسلام!
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[17 - 05 - 2007, 04:11 م]ـ
وإذا اعتمدنا النسخة التي نقل منها شيخنا الأغر بل واعتمدنا أيضا علامة الترقيم التي وضعها شيخنا وهي الشرطة (ـ)
وعليك سلام الله ورحمته وبركاته، وجزاك الله خيرا عن هذا التعليق والتحقيق، وأود أن أبين لكم معنى الشرطة الواحدة عندي، فهي تعني أن الكلام بعدها مرتبط بعامل قبلها وبين الكلامين فاصل طويل، مع عدم وجود اعتراض، فقوله (أحسن) خبر كان في قوله: فكان أن يكون، كالآتي:
¥