ويدلك أيضاً على قبحه إذا حمل على الشأن، أنك إذا قلت: ما شأنك وما عبد الله، لم يكن كحسن ما جرم وما ذاك السويق، لأنك توهم أن الشأن هو الذي يلتبس بزيد، " وإنما يلتبس شأن الرجل بشأن زيد "
فليس المقصود ـ سيدي ـ في هذه الجملة كلمة (ملابسة) الواردة في تقدير سيبويه، حين قال:
اقتباس:
فكأنك قلت: ما شأنك وملابسة زيدا،
وذلك لأن لفظة (ملابسة) لم ترد إلا لتوضيح المعنى؛ فلا يبنى عليها أحكاما نحوية من عطف وعمل وغيرهما، وهذا ما قاله السيرافي حيث قال (وعذرا للإعادة ولكن الشاهد يختلف):
اقتباس:
هذا تقدير معنوي، لا يخرج ذلك عن معنى: ما صنعت وما تصنع، لان هذا ملابسة أيضا
.
5ـ اسمح لي شيخنا أن أعود لمسألة إعراب (أحسن) في قول سيبويه:
فكان أن يكون زيد على فعل وتكون الملابسة على الشأن، لأن الشأن معه ملابسة له أحسن من أن يجروا المظهر على المضمر
أود أولا أن أبين أن هذا الأسلوب (فكان أن يكون ... أفعل ... ) قد استعمله سيبويه في كتابه أكثر من مرة، وفيه تكون (كان) ناقصة، ويكون خبرها هو أفعل التفضيل، لذلك رأينا شيخنا الأغر يعرب (أحسن) في النص السابق خبر كان، ومن استعمالات سيبويه لهذا الأسلوب في الكتاب قوله:
فكان أن يكون الكلام على وجهٍ واحدٍ - إذا كان لا يمتنع الآخر من أن يكون مبنياً على ما بني عليه الأول - أقربَ في المأخذ.
فلا شك هنا أن (أقرب) خبر كان، وهذا ما أثبته محققا طبعتي الكتاب حيث نصّا على النصب.
ولكن ما جعلني أعدل (أنا ومحققا طبعتي الكتاب) عن هذا التوجيه في نصنا المشكل ــ تلك الجملة المعترضة التي تطلب معنى مناسبا لها وإعرابا لائقا بها وهي: " لأن الشأن معه ملابسة له "، وإنني أريد أن يتفضل علينا شيخنا ـ بارك الله فيه ـ ويبين لنا: هل (ملابسة) عنده مصدر أم اسم فاعل؟ وأين خبر الناسخ (أن)؟ وما معنى الجملة؟
كذلك إذا اعتبرنا ـ جدلا ـ أن (أحسن) هي خبر الناسخ (كان)، وأخذنا بقولكم في تفسير جملة سيبويه:" وتكون الملابسة على الشأن " ــ فهل يصح أن يكون (أحسن) خبرا لجملة:"فكان أن تكون الملابسة على الشأن " من جهة المعنى، فهل هذا المعنى الذي يفضي إليه توجيهكم صحيح: فكان كون الملابسة على الشأن أحسن من أن يجروا المظهر على المضمر؟! فما علاقة الملابسة والشأن بجر المظهر والمضمر!!
والسلام!
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[17 - 06 - 2007, 10:33 م]ـ
وعليك سلام الله أيها الحبيب
وكنا نود من شيخنا الأغر أن يبين لنا أدلة هذه التفرقة وهذا التمييز، وهل هناك نصوص من الكتاب تؤيده غير النص المشكل؟ وهل وردت مثل هذه التفرقة عند أحد النحويين فاعتبرها؟
أقول: من خصائص الأسلوب عند سيبويه اللف والنشر، فإذا ذكر القاعدة وكان لها جزئيات ذكر الأمثلة بعد ذلك مرتبة على ترتيب مفردات القاعدة، فلا يبعد أن يجعل عبارة (أن يكون زيد على فعل) خاصة بمثال (ما لك وزيدا) وعبارة (وتكون الملابسة على الشأن) خاصة بمثال (ما شأنك وزيدا).
ويرد عليه " أان المصدر العامل مع معموله كالموصول وصلته، ولا يجوز حذف الموصول مع بعض صلته وإبقاء البعض الآخر "؛ لذلك رأينا السيرافي يقول متفاديا مثل هذه المآخذ: "هذا تقدير معنوي".
أقول: نعم لا يجوز حذف المصدر العامل بدون دليل ولكن إذا وجد دليل جاز حذفه، والدليل هنا هو الشأن المذكور في (ما شأنك وزيدا) فالأصل: ما شأنك وشأن زيد، فلما حذف الشأن الثاني ولم يمكن العطف على الضمير نصب زيد بمصدر يلتقي مع الشأن في المعنى، لأن الشأن لا يعمل النصب، ولو كان يجوز أن ينصب لقدرنا: ما شأنك وشأنٌ زيدا، ولكنه لا يجوز، لذلك قدر سيبويه مصدرا بمعنى الشأن ناصبا وهو (ملابسة)، وجاز حذفه لدلالة الشأن المذكور عليه. وفي هذا جواب لبعض تساؤلاتك عن علاقة الشأن بالملابسة.
كذلك لو اعتبرنا ـ جدلا ـ أن سيبويه أراد ذلك المصدر المحذوف الذي أعربتموه مفعولا معه ـ فإن ذلك يكون معارضا لضبط محققَي طبعتي الكتاب حيث نصّا على الرفع فقالا: "فإذا أضمرت فكأنك قلت: ما شأنك وملابسة ُ زيدا ".
أقول: هذا المصدر المحذوف يجوز فيه الرفع عطفا على الشأن المذكور ويجوز فيه النصب على أنه مفعول معه لفعل محذوف تقديره (كان).
وإنني أريد أن يتفضل علينا شيخنا ـ بارك الله فيه ـ ويبين لنا: هل (ملابسة) عنده مصدر أم اسم فاعل؟ وأين خبر الناسخ (أن)؟ وما معنى الجملة؟
أقول: الملابسة مصدر، وخبر (أن) هو (ملابسة) ومعنى الجملة: لأن الشأن مع (زيد) أو مع أي شخص ملابسة له، فهو يريد أن يبين أنه إنما قدر الملابسة لأنه مصدر عامل وهو بمعنى الشأن، فقولنا: ما شأنك وشأن زيد؟ في المعنى مثل: ما شأنك و ملابستك زيدا؟
فهل هذا المعنى الذي يفضي إليه توجيهكم صحيح: فكان كون الملابسة على الشأن أحسن من أن يجروا المظهر على المضمر؟! فما علاقة الملابسة والشأن بجر المظهر والمضمر!!
أقول: يعني فكان تقدير مصدر بمعنى الشأن معطوف على الشأن المذكور ناصب لزيد أحسن من عطف زيد على الكاف في الصناعة وفي المعنى.
وإلى اللقاء مع مشكل آخر بإذن الله.
¥