أحدها كون الظرف منصوبا بعامل معنوي، وهو حصول المبتدأ فيه، بقوله: فانتصبت لأنها موقوع فيها ومكون فيها، ويحمل قوله: عمل فيها ما قبلها على عمل المبتدأ في المحل، فيكون للظرف على هذا التقدير عامل في لفظه وهو المعنى المذكور، وعامل رفع في محله وهو المبتدأ.
وهذا الوجه باطل، إذ لا قائل به، ولأن الحصول لو عمل في الظرف العرفي وهو الخلف وشبهه لعمل في الظرف اللغوي كالكيس والكوز، فكان يقال: المال الكيس، والماء الكوز، بالنصب، بل الحصول المنسوب إلى الكيس والكوز ونحوهما أولى بالعمل، لأنه حصول إحاطة وإحراز، وإذا لم يصح للعمل وهو أقوى فغيره بعدم العمل أولى) هذا نص ابن مالك عن الوجه الأول الذي يحتمله نص سيبويه.
قلت لصاحب هذا الوجه أن يقول:
مذهب سيبويه أن المبتدأ رافع للخبر إذا كان الخبر هو المبتدأ، في نحو: زيد أخوك، أما في نحو: زيد خلفك، فالخبر غير المبتدأ، لذلك لا يرفعه المبتدأ، والدليل على ذلك أنك إن أردت أن تجعل الخلف زيدا على سبيل التوسع رفعته فقلت: زيد خلفُك، برفع الخلف، ويحمل قول سيبويه فيعمل فيه ما قبله، على أن معنى الحصول مراد قائم في النفس قبل اللفظ بالظرف.
وكذلك يقال لابن مالك رحمه الله:
لا دليل على أن الحصول في الظرف اللغوي المختص أقوى من الحصول في الظرف العرفي المبهم كالخلف وشبهه، فالحصول هو كون عام في أي ظرف كان، لأنه متعلق بذات الشيء الكائن لا بالظرف المحيط به.
وكذلك يقال له: إذا كان الفعل الذي هو أقوى العوامل لا يعمل في الظرف اللغوي المختص إلا بحرف الجر فيقال: وضعت المال في الكيس، ولا يجوز: وضعت المال الكيس، فالحصول -وهو عامل معنوي ضعيف- أولى بألا يعمل مباشرة في الظرف المختص.
وبهذا لا يمكن إبطال هذا الوجه ..
وإنما يمكن إبطاله من وجه آخر، وهو أن سيبويه يفرق بين سبب النصب وعامل النصب، فقوله: انتصبت لأنها موقوع فيها، بيان لعلة النصب، وليس بيانا للعامل، لأنه ذكر العامل بعد ذلك، والدليل على ذلك أنه اتبع هذا النهج عند حديثه عن الحال فهو يذكر علة النصب، بقوله: لأنه حال وقع فيه أمر، ثم يذكر العامل فيه. والله أعلم
وإلى اللقاء في مناقشة الوجه الثاني إن شاء الله.
مع التحية الطيبة.
ـ[خالد مغربي]ــــــــ[27 - 07 - 2007, 05:42 م]ـ
عودا حميدا أيها الشيخ:)
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[03 - 08 - 2007, 03:48 م]ـ
شكرا أيها الحبيب على ترحيبك لا حرم المنتدى من نداك
قال ابن مالك رحمه الله: والوجه الثاني كون الظرف منصوبا بالمخالفة كقول الكوفيين، فإنه يوهمه سيبويه بقوله في الباب المذكور: (فهذا كله انتصب على ما هو فيه وهو غيره) فظاهر هذا القول شبيه بما حكاه ابن كيسان من قول الكوفيين: إن الظرف منصوب بالمخالفة، لأنك إذا قلت: زيد أخوك، فالأخ هو زيد، وإذا قلت: زيد خلفك، فالخلف ليس بزيد، فمخالفته له عملت فيه النصب، وقد تقدم إبطال هذا القول، فسيبويه بريء ممن عوّل عليه، وجنح إليه، لأنه قال حين مثل بظروف بعد مبتدآت: (وعمل فيها ما قبلها) وهذه عبارة لا تصلح أن يراد بها إلا شيء متقدم على الظرف والمخالفة بخلاف ذلك، فتيقن أن مراده غير مراد الكوفيين. انتهى كلام ابن مالك رحمه الله.
وما أشار إليه من إبطال رأي الكوفيين ذكره قبل عرض رأي سيبويه رحمه الله، حيث بين أن بطلانه من أربعة أوجه:
الأول أن إعمال المخالفة في الظرف دون المبتدأ ترجيح من غير مرجح.
والثاني أن المخالفة واقعة في نحو: أبو يوسف أبو حنيفة، ولم تعمل النصب.
والثالث أن المخالفة لا تختص بالأسماء وحدها، وما كان غير مختص لا يعمل.
والرابع أن المبتدأ عند الكوفيين مرتفع بالذكر العائد من الخبر وهو بعيد عنه فأن ينتصب الظرف بهذا العائد لقربه أولى.
وما ذكره ابن مالك رحمه الله لا يسلم من الاعتراض، فقوله إن المخالفة غير متقدمة على الظرف غير مسلم لأن المعنى يسبق اللفظ كما أن معنى الابتداء يسبق المبتدأ، ويعمل فيه، والمخالفة غير واقعة في نحو: أبو يوسف أبو حنيفة، لأن المراد مذهب الرجلين، ولا يعقل أن يكون المراد شخصيهما.
¥