تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إذا جعلنا الفعل يرفع وينصب ويجر مبنية للفاعل كان المعنى أن هذه الأسماء تلي كل ما يرفع وكل ما ينصب وكل ما يجر، أي تلي عوامل الرفع والنصب والجر، فتكون مرفوعة مطلقا بعد الرافع أو منصوبة مطلقا بعد الناصب، أو مجرورة مطلقا بعد الجار، إذ ليس في عبارته ما يخصص الرافع بالمبتدأ وما يخصص الناصب بالإشارة أو التنبيه ..

أستاذي الكريم د. بهاء الدين حفظه الله

كانت عبارة سيبوية مبنية على ما قبلها فهو لم يقصد الرافع أي رافع ولا يقصد أي ناصب، وإنما جاء قوله (ما يرفع وينصب وما يجر) مقيدا تقييدا ضمنيا بما سبقه وما لحقه، فالقيد السابق قوله: "ولكنه حسن أن يبنى على المبتدأ ويكون حالا، فالحال قولك: هذه جبتك خزا، والمبنيّ على المبتدإ قولك: جبتك خز".

والقيد اللاحق قوله:

" ... والحال مفعول فيها، والمبنيّ على المبتدأ بمنزلة ما ارتفع بالفعل، والجار بتلك المنزلة، يجرى في الاسم مجرى الرافع والناصب".

وعليه لا يفهم من كلامه أنه يقصد عوامل الرفع والنصب والجر بعامة، وإنما يقصد ما أشار إليه من قبل ومن بعد، وذلك في حيز العلاقة بين اسم الجنس وما هو منه، وليس الأمر على الإطلاق.

وأما قوله: إن الجار يجري في الأسماء مجرى الرافع والناصب، فمراده أن الجار يتم بالمجرور فيصلح أن ينتصب الاسم بعدهما كما في: لي مثله غلاما، فالمثل المضاف تم بالضمير وحال الضمير بينه وبين الغلام فنصب الغلام، كما أن الفعل يتم بالفاعل ويصير الكلام التام عاملا في الحال أو التمييز في نحو: جاء زيد ذاهبا، وطاب زيد نفسا، وكما تم الفعل المتعدي بالفاعل والمفعول، وحال المفعول بين الفعل أن ينصب الحال على المفعولية فانتصب على الحال في نحو: ضربت عبد الله قائما، وكما تم العشرون بالنون فنصب الدرهم في نحو: عندي عشرون درهما،

حصرتم ـ أستاذي ـ في تفسيركم الكلام هنا في وجه نصب اسم الجنس نحو (خز) بعد تمام الكلام، وإنما كان قول سيبويه (والجار بتلك المنزلة، يجرى في الاسم مجرى الرافع والناصب) مرتبطا بقوله ( ... والحال مفعول فيها، والمبنيّ على المبتدأ بمنزلة ما ارتفع بالفعل والجار بتلك المنزلة، يجرى في الاسم مجرى الرافع والناصب) ولو تأملنا عبارته كاملة لأدركنا أنه لا يريد فقط النصب على الحال بعد تمام الكلام كما ذهبتم إليه في تفسيركم ما يخص الجار، وإنما جعل النصب على الحال واحدا من ثلاثة أوجه فقوله (والحال مفعول فيها) إشارة إلى قوله (فالحال قولك: هذه جبتك خزا) وقوله (والمبنيّ على المبتدأ بمنزلة ما ارتفع بالفعل) إشارة إلى قوله (والمبنيّ على المبتدأ قولك: جبتك خز) وقوله (والجار بتلك المنزلة، يجرى في الاسم مجرى الرافع والناصب) إشارة إلى قوله (وإن شئت قلت: راقودُ خلٍّ، وراقود من خل) ولو كان الأمر كما تفضلتم أي انتصاب الخز بعد التمام فحسْب لكان البناء على المبتدأ حاصلا قبل مجيء الخز ومن ثم ينتصب الخز على الحال بعد التمام، ولكن سيبويه جعل الخز هو المبني على المبتدأ فكان حقه الرفع، وكذا الإشارة عملت في الخز فانتصب على الحال، فلما أعمل الرافع (المبتدأ) والناصب (الإشارة) في اسم الجنس (الخز) قال والجار بتلك المنزلة، أي يعمل فيه كما عملا لكن بالجر، وبذلك يصل سيبويه إلى انتفاء علاقة الإتباع بين اسم الجنس وما هو منه ولكنه يحدد العلاقة بينهما في واحدة من ثلاث حالات هي:

1ـ أن يلي اسمُ الجنس ما يَرفع، وهذا مقيد بأن يبنى على ما هو منه فيكون خبرا عنه كما في المثال (جبتك خز).

2ـ أن يلي ما يَنصب، وهذا مقيد بأن يكون حالا لما هو منه كما في (هذه جبتك خزا)، أو (هذا راقود خلا) على الحال عند سيبويه (كما يبدو)، وعلى التمييز عند غيره، وذلك على اعتبار ما في الراقود.

3ـ أن يلي ما يَجُر، وهذا مقيد بأن يكون مجرورا بإضافة ما هو منه إليه كما في (هذا راقودُ خلٍّ) أو مجرورا بالحرف بعد ما هو منه كما في (هذا راقودٌ من خل) على اعتبار ما في الراقود لا الراقود نفسه.

أخي الكريم .. ليس الأمر كما ذهبتم إليه في قول سيبويه هذا، بيانه أن عدم جواز: كم غلمانا لك، سببه جمع تمييز (كم) لأن تمييز (كم) الاستفهامية حكم تمييز (عشرين) أي يجب أن يكون مفردا، فكما لا يجوز: عشرون ثيابا لك، فكذلك لا يجوز: كم غلمانا لك.

أعلمُ شيخنا الجليل أن منع التمييز في (كم غلمانا لك) إنما هو لأن الغلمان جمع، وإنما سقت هذا لبيان العلاقة بين أول الكلام وآخره حيث الشاهد الذي أريدُ وهو قوله:

" ... ويقبح أن تقول كم غلماناً لك؛ لأنه قبيح أن تقول: عبد الله قائماً فيها، كما قبح أن تقول قائماً فيها زيدٌ"

حيث علل لامتناع نصب (غلمانا) قبل تمام الكلام بقبح نصب (قائما) قبل تمام الكلام، وإنما وجه (قائما) الحال لا التمييز، وكان من قبلُ قد سوّى بين نصب (غلمانا) بعد تمام الكلام وبين نصب (خلا) الأمر الذي يفيد أن انتصاب (غلمانا، خلا، قائما) من وجه واحد هو وجه الحال، بمعنى أنه منع نصب (غلمانا) قبل التمام لأنه جمع لا يصلح تمييزا، وأجازه بعد تمام الكلام على الحالية وسوّى بينه وبين (عليه راقود خلا) ثم عاد ليؤكد أنه يلزم على هذا الوجه تمام الكلام فسوّى بينه وبين نصب (قائما) بعد التمام علي الحالية لا التمييز.

هذا ما بدا لي، وأشكر لكم سعة صدركم، وتقبلوا أزكى تحياتي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير