تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد يحسن ويستقيم أن تقول: عبد الله فاضربه إذا كان مبيناً على مبتدأ مظهر أو مضمر. فأما في المظهر فقولك: هذا زيد فاضربه وإن شئت لم تظهر " هذا " ويعمل كعمله إذا أظهرته وذلك قولك: الهلال والله فانظر إليه كأنك قلت: هذا الهلال ثم جئت بالأمر.

والدليل على حسن إتيان الفاء هنا مقابلة قولنا "هذا عبد الله فاضربْه" بقولنا: "هذا زيدٌ فحسنٌ جميلٌ" حيث كان ما بعد الفاء في الجملة الأولى فعلاً في صيغة الأمر (وهو الأصل في هذا الباب أعني الفعل هو الأصل في باب الاشتغال) وفي الجملة الثانية اسماً.

وفي هذا السياق استشهد سيبويه بقول الشاعر:

وقائلة خولان فانكح فتاتهم * وأكرومة الحيين خلو كما هيا

على أن هذا البيت مثل قولنا: " (هذا) الهلالُ - والله - فانظر إليه"

ويجوز في "هذا الرجل فاضربْه" نصب "الرجلَ" على أنه وصف (لـ"هذا") لا خبر، وفي "هذا زيداً فاضْربْه" نصب "زيداً" على اعتباره معطوفاً على "هذا" (عطفَ بيان) أو بدلاً.

وعلى نفس المنوال ينتصب "اللذين" في "اللذين يأتيانك فاضربْهما" ويجوز ارتفاعه على اعتباره مبنيّاً على مظهرٍ أو مضمرٍ، أو على اعتباره مبتدأً وذلك لأنه يحسُن كون خبره من غير الأفعال بالفاء نحو قولك: "الذي يأتيني فله درهم" أو "الذي يأتيني فمكرَمٌ محمود". لاحظوا أن الخبر بالفاء عنا غير فعل. وجواز كون "فله درهم" و"فمكرَمٌ محمود" خبراً لما في "الذي يأتيني" من معنى الشرط والجزاء. والأمثلة على ذلك كثيرة:

قوله عز وجل: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون

قولهم: كل رجل يأتيك فهو صالح وكل رجل جاء فله درهمان

وذلك لأن معنى الحديث هنا الجزاء والشرط على ما يقول سيبويه.

ملاحظة مهمة: كل الأمثلة التي يكون ما بعد الفاء غير فعل ليست من باب الاشتغال في شيء وليست من مهمات هذا البحث وإنما ذكرها سيبويه لتوجيه الرفع في المسائل التي هي من صميم هذا الباب.

وعلى هذا الأساس يجب علينا أن نفهم الأمثلة التي يمثل بها سيبويه حتى لا نحيد عن الخط المرسوم، ولا سيما ما يلي:

(1) قوله تعالى: " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ".

(2) قوله تعالى: " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ".

يقول سيبويه بعد ذكر هاتين الآيتين:

فإن هذا لم يبن على الفعل ولكنه جاء على مثل قوله تعالى: " مثل الجنة التي وعد المتقون ". ثم قال بعد: " فيها أنهار من ماء " فيها كذا وكذا. فإنما وضع المثل للحديث الذي بعده فذكر أخباراً وأحاديث فكأنه قال: ومن القصص مثل الجنة أو مما يقص عليكم مثل الجنة فهو محمول على هذا الإضمار " ونحوه ". والله تعالى أعلم

فسيبويه يرى أن الآيتين ليستا من باب بناء الاسم على الفعل. يقول: "فإن هذا لم يبن على الفعل" وإنما هما تماماً مثل قوله تعالى: "مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهارٌ من ماء" من حيث تقدير الاسم المرفوع مبتدأً لخبر محذوف، وليست " فيها أنهارٌ من ماء" هو الخبر، وبناء على ذلك فقوله تعالى: "فاقطعوا" و"فاجلدوا" ليس خبراً لما قبله حتى يكون ما قبله مبتدأ وإنما هو مبتدأ لخبر محذوف.

وفي هذا الموضع يذكر سيبويه قول الشاعر: "وقائلةٍ خولان فانكح فتاتهم" مسوِّياً بينه وبين قوله تعالى: "الزانية والزاني" في مجيء الفعل بعد أن ارتفع ما قبله بما ارتفع. المهم أنّ ما في حيز الفاء ليس خبراً للاسم المرفوع قبلها أو كما قال سيبويه: "هذا لم يُبنَ على الفعل" مثل ما بني "زيداً" على الفعل في نحو قولنا "زيداً ضربتُ" كما أسلفنا في بداية هذا البحث.

ويذهب سيبويه إلى أن قوله تعالى: "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما" أيضاً من باب عدم بناء الاسم على الفعل. بل ويذهب إلى أبعد من ذلك فيقول:

وقد يجري هذا في زيد وعمرو على هذا الحد إذا كنت تخبر " بأشياء " أو توصي. ثم تقول: زيد فيمن أوصي به فأحسن إليه وأكرمه

وخلاصة القول أن كلاًّ من "الزانية والزاني" والسارق والسارقة" و"خولان فانكح فتاتهم" و"اللذان يأتيانها منكم فآذوهما" و"زيدٌ (فيمن أوصي به) فأحسن إليه وأكرمه" تجتمع على أن ما بعد الفاء فعلٌ بل أمرٌ (أو نهيٌ) وأن الاسم ما قبلها لا يبنى على هذا الفعل والتقدير والتوجيه فيها مثل التقدير والتوجيه في قوله تعالى: "مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهارٌ من ماء".

وقد يسأل سائلٌ: ما الفرق بين قوله تعالى: "اللذان يأتيانها منكم فآذوهما" وقولنا: "اللذَان يأتيانك فاضربهما" حيث لم يقدِّر سيبويه في الآية ما قدَّر في العبارة الثانية وذلك واضحٌ أن الآية الكريمة من باب ما يُقصّ أو يُتلى من ناحية الأحكام، وأما العبارة الثانية فليست من هذا الباب في شيءفـ"الضرب" معناها هنا تماماً معناها في قولنا: أما زيدٌ فاضربْه أو ضَرب زيدٌ عمراً.

هذا ما أفهمه من كلام أبي بشر، وهو فهمٌ يحتمل الصواب والخطأ، وهو - لا شك - فهمٌ الخطأ فيه أكثر من الصواب، ويمكن أن قد أخطأتُ فهم السؤال من البداية، وعلى أية حال أرجو أن أستفيد من تصويباتكم ومناقشاتكم حول الموضوع لأصل بذلك إلى فهم أدقّ إن شاء الله.

والله أعلم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير