ـ[جلمود]ــــــــ[01 - 01 - 2010, 10:32 م]ـ
السلام عليكم،
دخلت كي أسلم على أستاذي الأغر، ولأرحب بعودة أستاذنا أبي بشر،
فمرحبا بكما، فقد اشتقنا إليكما!
ـ[أبو بشر]ــــــــ[01 - 01 - 2010, 11:55 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
مرحبا وأهلا وسهلا بأبي بشر .. حياكم الله .. نورتم هذه النافذة بحضوركم .. وزينتموها بهذه اللالئ الثمينة التي علقتموها على أعمدة الكتاب المرمرية الشامخة ..
سأعود لمشاركتك إن شاء الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خير الجزاء - أستاذي الفاضل - على هذا الترحيب الحارّ. أنتظر إفادتكم بكل شوق.
ردكم هذا الجميل جعلني أعيد النظر فيما ما كتبت وما فهمت من كلام سيبويه، فاتضح لي بعد إعادة النظر أن سيبويه (رحمه الله) يقصد ببناء الاسم على الفعل شيئين: بناء الاسم على فعل مظهر نحو: ضربْتُ زيداً وزيداً ضربتُ، وبناء الاسم على فعل مضمر نحو: زيداً ضربْتُهُ. والدليل على ذلك قول سيبويه:
وإن شئت قلت: زيداً ضربته وإنما نصبه على إضمار فعل هذا يفسره كأنك قلت: ضربت زيداً ضربته إلا أنهم لا يظهرون هذا الفعل هنا للاستغناء بتفسيره. فالاسم ها هنا مبني على هذا المضمر.
ويمكن أن نستخلص من كلام سيبويه في أول هذا الباب بما فيه ما ذكرناه آنفاً من كلامه أنه حيثما ينتصب الاسم في نحو: "ضربْتُ زيداً، وزيداً ضربْتُ، وزيداً ضربْتُه" فهو من باب بناء الاسم على الفعل مظهراً كان أم مضمراً، وحيث يرتفع في نحو: زيدٌ ضربْتُه، فهو من باب بناء الفعل على الاسم والفعل في هذه الحالة - كما يقول سيبويه -
في موضع "منطلق" إذا قلت: عبدُ الله منطلقٌ، فهو في موضع هذا الذي بني على الأول وارتفع به، فإنما قلت عبد الله فنسبته له ثم بنيت عليه الفعل ورفعته بالابتداء
أظن أن هذه النقطة مهمة لأنها ذات صلة بقول سيبويه عقب ذكره لقوله تعالى: " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " وقوله تعالى: " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ":
فإن هذا لم يُبْنَ على الفعل أي فإن هذا لم يبن على الفعل مظهراً أم مضمراً بمعنى أن الاسم المتقدم في الآيتين (أي "الزانية والزاني" و "السارق والسارقة") مرفوع وليس منصوباً. لكن رفع هذا الاسم المتقدم - في ظني - لا يُعَدّ حتى من باب بناء الفعل على الاسم على حدّ قول سيبويه في أول الباب حيث يمثل لما يبنى الفعل على الاسم بنحو "زيدٌ ضربتُه" ونحو قوله تعالى: (وأما ثمودُ فهديناهم). والديل على أن سيبويه لم يعدّ الآيتين الكريمتين من باب بناء الفعل على الاسم تسويته بين الآيتين وبين قوله تعالى: (مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهارٌ من ماء ... ) في الإعراب حيث يجعل الاسم المتقدم مبتدأ لخبر محذوف (مما يُلى عليكم، من القصص، مما يُقَصّ عليكم، فيما فرض الله عليكم، في الفرائض) لا مبتدأ لخبر مذكور ووارد بعد الفاء كما في قوله تعالى: "فأما ثمودُ فهديناهم) الذي هو من باب بناء الفعل على الاسم.
فيبدو لي أن سيبويه أراد بقوله: "فإن هذا لم يُبنَ على الفعل" أنه أورد الآيتين برفع الاسم المتقدم لا بنصبه، وهي القراءة التي يقول عنها سيبويه بعد صفحة:
... ولكن أبت العامّة إلا القراءة بالرفع
وكأنّ قراءة الرفع مقدَّمة على قراءة النصب وهو كذلك. فعلامَ يدلّ إباء العامّة إلا القراءة بالرفع؟ سؤال مهمّ في رأيي. يدلّ على أن للقراءة بالرفع وجهاً لا يتأتى ألبتة في القراءة بالنصب. فالقراءة بالنصب تجعل من الاسم المتقدم (أيْ "الزانية والزاني" و"السارق والسارقة") مجرد مفعول للفعل المتأخر وحتى القراءة بالرفع التي يبنى فيها الفعل على الاسم على حد ّ قولنا: زيدٌ ضربتُه، الذي هو تماماً مثل قولنا: عبدُ الله منطلق، ليست تختلف عن القراءة بالنصب من حيث المعنى والتفسير، فنحو "زيداً ضربْتُه" لا يختلف كثيراً من حيث المعنى عن نحو "زيدٌ ضربْتُه". أمّا إذا قدَّرنا في الآيتين الكريمتين في حالة رفع الاسم المتقدم عين ما قُدِّر في قوله تعالى: "مثل الجنة التي وعد المتقون ... " من نحو "مما يقصّ عليكم" أو "في القصص" أو "مما يتلى عليكم"، كان المعنى أضخم وأبلغ مما لو لو حملت الآيتان على نحو: "زيداً ضربتُهُ" و"زيدٌ ضربتُه".
وبالمناسبة وجدت أن ابن عاشور ذكر في ضمن تفسيره لقوله تعالى: "والزانية والزاني ... " البيت نفسه الذي استشهد به سيبويه ألا وهو قول الشاعر: "وقائلة خولان فانكح فتاتهم ... " وقدَّر (ابن عاشور) المحذوف في البيت كالآتي:
التقدير: هذه خولان، أو خولان مما يرغب في صهرها فانكح فتاتهم إن رغبت.
فابن عاشور في التقدير الثاني "مما يرغب في صهرها" يجعل البيت تماماً مثل قوله تعالى "مثل الجنة التي وعد المتقون ... " من حيث ما قدَّمه من التقديرات.
فعلى هذا فسيبويه نظم كلاًّ من "الزانية والزاني" والسارق والسارقة" و"خولان فانكح فتاتهم" و"اللذان يأتيانها منكم فآذوهما" و"زيدٌ (فيمن أوصي به) فأحسن إليه وأكرمه" في سلك واحد من حيث إن الخبر للاسم المتقدم المرفوع قدِّر محذوفاً وليس هو المذكور بعد الفاء إذ لا يبنى هذا الاسم المتقدم على الفعل (الواقع بعد الفاء) فمن باب أولى أن لا يبنى الفعل على هذا الاسم المتقدم. وحيثما لا يُبنَ الاسم على الفعل لا يُبنَ الفعل على الاسم من باب أولى إذ الثاني متفرع عن الأول.
والله أعلم
¥