ولكن ابن مالك رحمه الله عقب على كلام سيبويه بقوله: (وأجاز بعض النحويين أن يكون المنصوب بعد (أما) من المصادر مفعولا به في التنكير والتعريف، والعامل فيه فعل الشرط، فيقدر متعديا على حسب المعنى، فتقدير: أما عالما فعالم على هذا: مهما تذكر علما فالذي وصفت عالم.
قلت: وهذا القول عندي أولى بالصواب وأحق ما اعتمد عليه الجواب، لأنه لا يخرج فيه شيء عن أصله، ولا يمنع من اطراده مانع، بخلاف الحكم بالحالية، فإن فيه إخراج المصدر عن أصله بوضعه موضع اسم فاعل، وفيه عدم الاطراد لجواز تعريفه، وبخلاف الحكم بأنه مصدر مؤكد، فإنه يمتنع إذا كان بعد الفاء ما لا يعمل ما بعده فيما قبله، وأما الحكم بأنه مفعولا به فلا يعرض مانع يمنع منه في لفظ ولا معنى، فكان أولى من غيره، ومما يؤيده الرجوع إليه على أحسن الوجهين في قول الشاعر:
ألا ليت شعري هل إلى أم مالك سبيل فأما الصبر عنها فلا صبرا
فيروى بالرفع على الابتداء، وبالنصب على تقدير: مهما تذكر الصبر عنها فلا صبرا، هذا تقدير السيرافي، وهو أسهل من جعل الصبر مفعولا له، وإن كان هو قول سيبويه. والنصب لغة الحجازيين والرفع لغة تميم.
ويؤيده في المصدر مجيئه فيما ليس مصدرا نحو: أما قريشا فأنا أفضلها، رواه الفراء عن الكسائي عن العرب وتقديره مهما تذكر قريشا فأنا أفضلها، أو تصف قريشا فأنا أفضلها. ومثله ما رواه يونس عن قوم من العرب أنهم يقولون: أما العبيدَ فذو عبيد، بالنصب وتقديره عندي: مهما تذكر العبيد فهو ذو عبيد، ومهما تذكر العبد فهو ذو عبد)
فالأصل أن عدم التأويل أولى من التأويل، وأن السماع بالنصب اطرد في كل اسم بعد (ما) عن العرب، وبهذا لم يند من المسموعات شيء على قوله، فاطردت عنده العلة إذن
وعقب على تعقيب ابن مالك أبو حيان الأندلسي قائلا:
(لو كان على إضمار الفعل المتعدي الناصب له لم يكن ذلك مختصا بالمصدر .... أو بالصفات .... وكان جائزا في كل الأسماء، وقد نص سيبويه على أنه لا يجوز في مثل " أما الحارث فلا حارث لك ... " إلا الرفع، وذكر أنه لا سبيل إلا النصب.
ولو كان النصب على ما اختاره المصنف لجاز، وقال سيبويه بعد ما نقل ما رواه يونس: وهذا قليل خبيث، وذلك أنهم شبهوه بالمصدر كما شبهوا الجماء الغفير بالمصدر.
وأما حكاية الكسائي " أما قريشا فأنا أفضلها " إن صحت عمن يحتج بكلامهم فهو قليل، ويخرج على إضمار المصدر وإبقاء معموله، والتقدير: أما ذكرك قريشا، ولا يقاس على ذلك لأن حذف المصدر وإبقاء معموله لا يقاس)
فأبو حيان لا يرى باطراد النصب في كل الأسماء بعد (أما) لأن ما سمع منها في غيره قال عن بعضه سيبويه بأنه قليل خبيث.
وباحتماله للتأويل في سماع الكسائي إن ثبتت عن العرب.
شيخنا الفاضل والإخوة الفضلاء أرى هواي مع سيبويه من قبل ومن بعد ولكن عندي إشكالات أطرحها نقاطا عليكم:
1 - أليس من حفظ حجة على من لم يحفظ، والكسائي راوية وثقة
2 - أليس من المقرر أن عدم التأويل أولى من غيره فلماذا التأويل مع صحة إعرابه مفعولا به ..
3 - هل حكم سيبويه بالقلة يعد اجتهادا منه أو هو باتفاق؟ ثم ما ضابط القلة والكثرة؟
4 - الدليل يدخله الاحتمال إذا جاز أن يحمل على وجه سائغ في العربية، أما حمله على وجه قليل وضعيف فلا
وما خرجه أبو حيان لسماع الكسائي يعد ضعيفا بخلاف تخريج ابن مالك
أفتوني في مسألة ورود الحال مصدرا عند سيبويه ورأيكم في رأي ابن مالك
ولكم مني صالح الدعاء في ظهر الغيب ... ;)
ـ[بل الصدى]ــــــــ[18 - 01 - 2010, 04:19 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
لا تغني إجابتي هذه عن إجابة الشيخ - حفظه الله - فلعلّه إن تيسر له تفضل علينا بشيء من وقته.
-أليس من حفظ حجة على من لم يحفظ، والكسائي راوية وثقة
بلى هو ذاك، و لكن الحجة التي تذكر إنما هي لانتصاب الأسماء بعد أمّا و ليست لانتصاب المصادر.
-أليس من المقرر أن عدم التأويل أولى من غيره فلماذا التأويل مع صحة إعرابه مفعولا به ..
بلى، و لكن الاحتكام لا يكون لهذا وحده، فأنت ترجّح وجهًا في الإعراب دون وجهٍ بناءً على علّة صناعيَّة محضةٍ دون النظر للمعنى، و الحال أولى هاهنا من المفعول لعلّتين:
-الأولى: مناسبة الحال للمعنى، فالسامع لمّا وُصف له امرؤ بعدّة صفات فأنكر بعضها و عرّف بعضها أجاب بـ (أمّا)، فقال: أمّا علمًا فعالم على معنى: مهما يذكر إنسان في حال علمٍ فالذي وصفته عالم، فكأنه أكّد اتصاف المذكور بالعلم دون سائر الصفات، فكون المذكور عالما يعني أنه داخل في حال علم على وجهٍ خاص، و في هذا تأكيدٌ كأننا قلنا: أمّا علمًا فعالم علمًا، فـ (أمّا) من شأنها أن تؤكد اتصاف ما بعدها بأمر على وجه مخصوص.
-الثانية: أن الصفات تقع موقع المصدر في هذا الباب ولا يصح تقدير غير الحال فيها (1/ 387)
-هل حكم سيبويه بالقلة يعد اجتهادا منه أو هو باتفاق؟ ثم ما ضابط القلة والكثرة؟
الحكم بالقلّة أو الكثر و الندرة و الشذوذ و القبح ليست مما يجتهد فيه، فسيبويه قد شافه الأعراب و أخذ عنهم و تلقى عن أئمة اللغة فكان حكمه مبنيا على استقراء دقيق قدّم بعده وصفا تقريريا لحكم إعرابي.
و لا أعلم ضابطا للكثرة أو القلة، فضوابطها إنما كانت عند من حكموا بها في عصور الاحتجاج، و لا نملك الآن إلا حفظ ما قالوه و التوقف عنده.
- الدليل يدخله الاحتمال إذا جاز أن يحمل على وجه سائغ في العربية، أما حمله على وجه قليل وضعيف فلا
وما خرجه أبو حيان لسماع الكسائي يعد ضعيفا بخلاف تخريج ابن مالك
يبقى للمصدر حكم خاص، و حمله على الحال أولى من حمله على المفعوليّة احتكاما للمعنى كما أسلفت.
أفتوني في مسألة ورود الحال مصدرا عند سيبويه
انظر الكتاب (1/ 370)
ورأيكم في رأي ابن مالك
ضمّنته إجابة سؤاليك: الثاني و الرابع.
¥