تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإنما اختير الرفع لأن ما ذكرت في هذا الباب أسماء، والأسماء لا تجري مجرى المصادر. ألا ترى أنك تقول: هو الرجل علما وفقها، ولا تقول: هو الرجل خيلا وإبلا.

فلما قبح ذلك جعلوا ما بعده خبرا له، كأنهم قالوا: أما العبيد فأنت فيهم أو أنت منهم ذو عبيد، أي لك من العبيد نصيب كأنك أردت أن تقول: أما من العبيد أو أما في العبيد فأنت ذو عبيد. إلا أنك أخرت في ومن وأضمرت فيها أسماءهم.

وأما قوله: أما العبدُ فأنت ذو عبد، فكأنه قال: أما في العبد فأنت ذو عبد، ولكنه أخّر في وأضمر فيه اسمه كما فعل ذلك في العبيد، فلما قبح عندهم أن يكون بمنزلة المصدر ولم يكن مما يجوز فيه عندهم ذلك حملوه على هذا فرارا من أن يدخلوا في المصدر ما ليس منه، كما فعلت تميم ذلك في العلم حين رفعوه.

كأنك قلت: أما العبيدُ فهم لك، وأما العبدُ فهو لك، لأنك المعنى تريد.

.... وزعم يونس أن قوما من العرب يقولون: أما العبيدَ فذو عبيد، وأما العبدَ فذو عبدٍ، يجرونه مجرى المصدر سواء. وهو قليل خبيث. وذلك أنهم شبهوه بالمصدر كما شبهوا الجماءَ الغفيرَ بالمصدر، وشبهوا خمستهم بالمصدر. كأن هؤلاء أجازوا: هو الرجل العبيدَ والدراهمَ، أي: للعبيد والدراهم، وهذا لا يتكلم به، وإنما وجهه وصوابه الرفع، وهو قول العرب وأبي عمرو ويونس، ولا أعلم الخليل خالفهما. وقد حملوه على المصدر، فقال النحويون: أما العلمَ والعبيدَ فذو علم وذو عبيد. وهذا قبيح، لأنك لو أفردته كان الرفع الصواب، فخبث إذ أجري غير المصدر كالمصدر، وشبهوه بما في الرداءة مثله، وهو قولهم: ويلٌ لهم وتبٌّ ... ) 1/ 384 - 389

فسيبويه تحدث عن المصدر نكرة كان أو معرفة، وذكر أن الحجازيين ينصبونه في كلا الأمرين، والتميميين ينصبونه نكرة فقط ولا يجيزون نصبه معرفة. وخرج نصبه نكرة على الحال باطراد كما قال ابن مالك وكما يفهم من كلامه – أعني سيبويه -.

ولكن ابن مالك رحمه الله عقب على كلام سيبويه بقوله: (وأجاز بعض النحويين أن يكون المنصوب بعد (أما) من المصادر مفعولا به في التنكير والتعريف، والعامل فيه فعل الشرط، فيقدر متعديا على حسب المعنى، فتقدير: أما عالما فعالم على هذا: مهما تذكر علما فالذي وصفت عالم.

قلت: وهذا القول عندي أولى بالصواب وأحق ما اعتمد عليه الجواب، لأنه لا يخرج فيه شيء عن أصله، ولا يمنع من اطراده مانع، بخلاف الحكم بالحالية، فإن فيه إخراج المصدر عن أصله بوضعه موضع اسم فاعل، وفيه عدم الاطراد لجواز تعريفه، وبخلاف الحكم بأنه مصدر مؤكد، فإنه يمتنع إذا كان بعد الفاء ما لا يعمل ما بعده فيما قبله، وأما الحكم بأنه مفعولا به فلا يعرض مانع يمنع منه في لفظ ولا معنى، فكان أولى من غيره، ومما يؤيده الرجوع إليه على أحسن الوجهين في قول الشاعر:

ألا ليت شعري هل إلى أم مالك سبيل فأما الصبر عنها فلا صبرا

فيروى بالرفع على الابتداء، وبالنصب على تقدير: مهما تذكر الصبر عنها فلا صبرا، هذا تقدير السيرافي، وهو أسهل من جعل الصبر مفعولا له، وإن كان هو قول سيبويه. والنصب لغة الحجازيين والرفع لغة تميم.

ويؤيده في المصدر مجيئه فيما ليس مصدرا نحو: أما قريشا فأنا أفضلها، رواه الفراء عن الكسائي عن العرب وتقديره مهما تذكر قريشا فأنا أفضلها، أو تصف قريشا فأنا أفضلها. ومثله ما رواه يونس عن قوم من العرب أنهم يقولون: أما العبيدَ فذو عبيد، بالنصب وتقديره عندي: مهما تذكر العبيد فهو ذو عبيد، ومهما تذكر العبد فهو ذو عبد)

فالأصل أن عدم التأويل أولى من التأويل، وأن السماع بالنصب اطرد في كل اسم بعد (ما) عن العرب، وبهذا لم يند من المسموعات شيء على قوله، فاطردت عنده العلة إذن

وعقب على تعقيب ابن مالك أبو حيان الأندلسي قائلا:

(لو كان على إضمار الفعل المتعدي الناصب له لم يكن ذلك مختصا بالمصدر .... أو بالصفات .... وكان جائزا في كل الأسماء، وقد نص سيبويه على أنه لا يجوز في مثل " أما الحارث فلا حارث لك ... " إلا الرفع، وذكر أنه لا سبيل إلا النصب.

ولو كان النصب على ما اختاره المصنف لجاز، وقال سيبويه بعد ما نقل ما رواه يونس: وهذا قليل خبيث، وذلك أنهم شبهوه بالمصدر كما شبهوا الجماء الغفير بالمصدر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير