وأما حكاية الكسائي " أما قريشا فأنا أفضلها " إن صحت عمن يحتج بكلامهم فهو قليل، ويخرج على إضمار المصدر وإبقاء معموله، والتقدير: أما ذكرك قريشا، ولا يقاس على ذلك لأن حذف المصدر وإبقاء معموله لا يقاس)
فأبو حيان لا يرى باطراد النصب في كل الأسماء بعد (أما) لأن ما سمع منها في غيره قال عن بعضه سيبويه بأنه قليل خبيث.
وباحتماله للتأويل في سماع الكسائي إن ثبتت عن العرب.
شيخنا الفاضل والإخوة الفضلاء أرى هواي مع سيبويه من قبل ومن بعد ولكن عندي إشكالات أطرحها نقاطا عليكم:
1 - أليس من حفظ حجة على من لم يحفظ، والكسائي راوية وثقة
2 - أليس من المقرر أن عدم التأويل أولى من غيره فلماذا التأويل مع صحة إعرابه مفعولا به ..
3 - هل حكم سيبويه بالقلة يعد اجتهادا منه أو هو باتفاق؟ ثم ما ضابط القلة والكثرة؟
4 - الدليل يدخله الاحتمال إذا جاز أن يحمل على وجه سائغ في العربية، أما حمله على وجه قليل وضعيف فلا
وما خرجه أبو حيان لسماع الكسائي يعد ضعيفا بخلاف تخريج ابن مالك
أفتوني في مسألة ورود الحال مصدرا عند سيبويه ورأيكم في رأي ابن مالك
ولكم مني صالح الدعاء في ظهر الغيب ... ;)
ياك الله أخي أحمد
أقول مستعينا بالله:
المصدر يقع موقع اسم الفاعل في باب الحال كثيرا وإن لم يكن مقيسا عليه عند سيبويه، كما أن اسم الفاعل يقع موقع المصدر في باب المفعول المطلق وهو أيضا لا يقاس عليه، فلما كان بين اسم الفاعل والمصدر تبادل المواقع حمل سيبويه المصدر هنا على اسم الفاعل، وجعله حالا، لأن مفهوم الحال عنده أوسع مما نحن نعرفه الآن، فما كان يفهم منه (في حال كذا) صلح أن يكون حالا كما كان المفعول فيه ما كان يفهم منه (في مكانٍ أو في زمان).
فالمصدر يقع حالا في نحو: لقيته فجاءة، وفي نحو: فأرسلها العراك، وفي نحو: طلبته جهدك، بل الحال تأتي جامدة معرفة في نحو: كلمته فاه إلى فيّ .. وهذا كله ليس بقياس.
وجعل سيبويه بعض أنواع التمييز حالا، كما في: عندي راقود خلا، إذا أريد بالراقود محتواه، وكذلك: أنت الرجل علما، لأن المعنى: عندي ما في الراقود في حال كونه خلا، وأنت الكامل في حال علم.
من هذه النظرة الواسعة للحال جعل سيبويه المنصوب بعد أما في نحو: أما علما فعالم، حالا، لأنه بمعنى: أما في مجال علم فعالم، ولم يفهم سيبويه من هذه العبارة معنى المفعولية المحضة.
ثم إن المذكور بعد أما في تقدير سيبويه بعد الفاء، فهو يقدر (أما) بـ (مهما يكن من شيء) ثم يذكر ما بعدها بعد الفاء، ففي نحو: أما يوم الجمعة فإنك ذاهب، التقدير عنده: يوم الجمعة مهما يكن من شيء فإنك ذاهب، أي: فإنك ذاهب يوم الجمعة، فيوم الجمعة في التقدير بعد الفاء، وفي مثالنا: أما علما فعالم، يكون التقدير: مهما يكن من شيئ فهو عالم علما.
وهذا تمثيل ولا يتكلم به، ومعنى هذه العبارة مختلف عن (أما علما فعالم) لذلك حمله سيبويه على الحال ولم يحمله على المفعول المطلق لأنه لحظ فيه معنى (في حال علم)
والعامل في الحال هنا عند سيبويه ما قبل المنصوب وما بعده، أي: أما و (عالم) وقد اعترض المبرد على أن يكون العامل في (سمن) سمينا في قولهم: أما سمنا فسمين، لأنه غير متعد فكان إعماله فيما قبله أبعد، والذي يظهر لي من كلام سيبويه أنه يريد أن العامل هو مجموع ما قبله وما بعده أي الكلام التام، والكلام التام هو العامل في الحال عند سيبويه لذلك أشك فيما ورد في نهاية الباب من قوله: عمل فيه ما قبله أو ما بعده، وإنما هي الواو كما في أول الباب.
فإذا كان المصدر المذكور بعد أما نكرة فهو منصوب عند الحجازيين، ومنصوب عند التميميين، لكن يجوز عندهم أن يأتي مرفوعا: أما علمٌ فعالم، والرفع على الابتداء والمسوغ لتنكيره ما في أما من معنى التخصيص.
فإذا أدخلت الألف واللام على المصدر تعين رفعه على الابتداء عند التميميين، ونصبه الحجازيون على أنه مفعول له، في نحو: أما العلمَ فعالم، ولا يجوز أن يكون حالا لأنه معرفة، وأقرب المفعولات للحال المفعول له، الا ترى أن قولنا: تصدقت ابتغاء مرضاة الله، يشبه في المعنى: تصدقت مبتغيا مرضاة الله، ويكاد يكون كل أنواع المفعول له قابلا لتأويه بالحال .. لذلك جعل سيبويه المعرف باللام هنا مفعولا له ولم يجعله مفعولا به أو مفعولا مطلقا.
ولكنه أجاز أن يكون مفعولا مطلقا أيضا، في نحو: أما الضرب فأنت ضارب.
والمفعول له أيضا منتصب عند سيبويه عن تمام الكلام، فهنا أيضا يعمل فيه ما قبله وما بعده، والفرق بين الحال والمفعول له عند سيبويه أن المفعول له مصدر والحال اسم فاعل أو مفعول ..
فإذا قيل: أما النبلَ فنبيل، فالمعنى على: لم هو نبيل بهذا المستوى؟ والجواب: لأجل النبل، أي يبذل ما لأجل النبل.
أما ما ذهب إليه ابن مالك وذكر أنه تقدير السيرافي فالسيرافي وإن ورد في شرحه هذا التقدير لا يحكم بأن المنصوب مفعول به، وإنما يجعله مثل سيبويه مفعولا له، ولا وجه لكون المنصوب مفعولا به لأنه عند النحويين في التقدير بعد الفاء، ورد أبي حيان عليه قوي لأنه لو كان التقدير كما ذكر لجاز: أما زيدا فلا أخ له، وهذا لا يجوز.
الخلاصة أن هذا الأسلوب يجوز فيه في المذكور بعد أما النصب والرفع في حال كونه مصدرا منكرا، ويجوز فيه الرفع والنصب إن كان مصدرا معرفا، ويتعين فيه الرفع إن كان اسم ذات معرفة معينه، فإن كان اسم ذات معرفة غير معينة لم يجز النصب إلا على اللغة التي حكم عليها سيبويه بالقلة والرداءة بناء على استقرائه واستقراء النحويين من قبله.
كتبت هذا على انشغالي بالاختبارات الجارية هذه الأيام في كليتنا، وأرجو أن أكون قد وفقت في بيان الصواب، فإن كان ذاك فلله الحمد والمنة وإلا فالله أدعو أن يعينني على بيان الصواب.
مع التحية الطيبة.
¥