[الفرق بين البدل وبين غيره من التوابع]
ـ[تأبط شعرا]ــــــــ[12 - 03 - 2008, 02:29 م]ـ
[الفرق بين البدل وبين غيره من التوابع]
هناك فرق بين البدل وبين غيره من التوابع؛ من حيث الإسناد، فما معنى ذلك؟ أي فرق بين البدل وبين غيره من التوابع من حيث الإسناد؟
نعلم: أن النعت والتوكيد وعطف البيان مكملات للحكم، أي: للمقصود بالحكم، حين تقول: "قابلت زيدًا الكريم"، إنما الكريم مكمل لزيد، وزيد هو المقصود بالحكم، وفي عطف البيان: "أقسم بالله أبو حفص عمر"، كأنك قلت: إن الذي قُصد بالحكم -أي بالقسم- الذي هو أقسم أبو حفص، وجاء عمر -وكما قال الراضي:- لو لم يذكر في الدنيا غيره لكان مشهورًا، ولو سُمي الناس جميعًا بعمر لكان مشهورًا، معروف، وجاء عمر بعطف بيان لأبي حفص المقصود بالحكم وهو أقسم، لكنه في البدل ليس على هذه الوتيرة، حين تقول: قابلت الناس كلهم، أو رأيت قومك أكثرهم أو ثلثيهم كما قال سيبويه، المقصود بالحكم: القوم، وأنت حين قلت قابلت قومك أكثرهم، كأنك قلت: قابلت أكثر قومك، وانتهى الكلام، لكنك أردت أن تؤكد كما قال سيبويه، فالتوكيد في "كلهم" إذا قلت: قابلت الناس كلهم، المعول عليه والمقصود بالحكم هو الناس، وأتيت أنت بكلمة "كل" لخدمة الناس، أي: لخدمة المقصود بالحكم، لكن ما هكذا البدل من حيث الإسناد، لماذا؟ لأن هو المقصود بالحكم، وليس ما قبله مما يمكن أن نطلق عليه بأنه هو الأول الموطئ والمهمد للثاني، ما هكذا يقول: الإسناد إلا إلى الثاني من حيث المعنى.
ماذا قال ابن مالك في تعريف البدل؟ قال في الألفية:
التابع المقصود بالحكم بلا *****واسطة هو المسمى بدلًا،
قال ابن الحاجب: البدل تابع مقصود بما نسب إلى المتبوع دونه، فماذا خرّج الرضي؟
أولًا: هل ترى هناك من فرق بين تعريف ابن مالك في (الألفية)، وبين ما ذكره ابن الحاجب في (الكافية)؟
قال ابن مالك:
التابع المقصود بالحكم، بلا ****واسطة، هو المسمى بدلا
نظمًا جميلًا رقيقًا.
يستفاد مما وضحناه من أنه تابع، وذلك لأن له متبوعًا، ومن أنه يتبع غيره في الإعراب، وكأن إعراب ما قبله تنبيه، يعني: كأنك إذا قلت: جاءني الطالب محمد، وقلت: الطالبُ، وهذا بسبب أنك قلت: جاءني فهو فاعل، فاعل مرفوع استأنست الأذن بالضمة واستبشرت بأن من يأتي بعد الطالب سوف يكون مرفوعًا كالطالب، سواء أقلت: جاءني الطالب محمد، أو جاءني الطالب زيد، أو جاء الطالب عمرو،
فهو تابع، والضمة قبل إيذان بأنه مضموم، والكسرة قبله إيذان بأنه مكسور، والفتحة قبله إيذان بأنه مفتوح.
إما هو مقصود بالحكم من حيث المعنى، وإلى واسطة -كما قال الصبان- بلا حرف عطف، والمسمى بدلًا، أي: الذي سماه اللغويون بدلًا، أي: هذا عندهم مصطلح عليه.
ماذا خرّج الرضي في التعريف؟
قال -عليه رحمة الله-: "المقصود بما نسب إلى المتبوع يخرج التوكيد والوصف وعطف البيان، المقصود؛ لأن كما ذكرنا من حيث الإسناد رأينا أن الفضلات أو التوابع أو المكملات إنما هي تخدم ما قبلها، إلا البدل لأن هو المقصود بالحكم، فأنت لا تقصد في عطف البيان المعطوف، ولا تقصد الكريم في نحو قولك: جاءني زيد الكريم، وإنما تقصد زيد، وأنت لا تقصد "كل" حين تقول: قام الناس كلهم، وإنما تقصد الناس قام الناسُ، وجئت بقولك: "كلهم" توكيدًا للناس، يعني: كأنك تعول على ما قبل التوكيد، وما قبل الصفة أي على الموصوف، وما قبل عطف البيان، أي: على المعطوف عليه،" وخرج من قوله دونه، أي: دون المتبوع عطف النسق، وقال: لأن المقصود هناك -أي في عطف النسق- التابع والمتبوع معًا، وتلك مفارقة ينبغي أن يهتم بها، وأن تعرف.
إن قلنا في عطف البيان المعول عليه ما قبله، لكن في عطف النسق يعني: في العطف الذي فيه حروف العطف كالواو والفاء، ثم أنت تقصد ما قبل الحرف، وتقصد ما بعده حين تقول: لقيت زيدًا وعمرًا.
لا شك أنك تقصد زيدًا وتقصد عمرًا معًا؛ لأنك لقيت الرجلين، وأنت تقصد الرجلين حين قلت: لقيت زيدًا، ولقيت عمرًا، لكن إذا قلت: جاءني الطالب عمرو أنت، لا تقصد الطالب، وإنما تقصد عمرًا، تابع المقصود بالحكم بلا واسطة هو المسمى بدلًا.
إذن: ما الفرق في القصد بين عطف البيان وعطف النسق؟
والجواب: أن في عطف البيان نقصد المعطوف عليه، أقسم بالله أبو حفص عمر، نقصد أبا حفص، أو أبو حفص على حكايته في مثاله وجملته، لكن في عطف النسق نقصد المعطوف والمعطوف عليه معًا، ذلك حين نقول: لقيت زيدًا وعمرًا فإنا نقصد زيدًا ونقصد عمرًا هكذا، لكنك في البدل تقول: لقيت زيدًا أباه، هذا مثال من الأمثلة في البدل الذي هو بدل اشتمال، بل أنت تقصد زيدًا، أما تقصد أباه أم أنك تقصد زيدًا وأباه معًا؟
والجواب إنما تقصد أباه أنت، تقول: لقيت زيدًا أباه، ما على سبيل الاشتمال، وإما على سبيل الغلط،، فأنت تقصد أباه دونه، يعني: دون زيد، يعني: أنت لا تقصد زيدًا، وإنما تقصد أبا زيد الذي لقيته، وحين تقول: أعجبني القارئ صوته، فما الذي تقصده؟ والجواب: نقصد الصوت، نقصد صوته على حكايته في مثاله، إنما جاء القارئ، كما قلت لحضراتكم بمثابة التوطئة، وبمثابة التمهيد
¥