تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[أهمية الإعراب ودوره في المعنى.]

ـ[تحياتي]ــــــــ[12 - 03 - 2008, 05:16 م]ـ

الإعراب معلم من معالم اللغة العربية وخاصية من خصائصها، والإعراب هو الإفصاح عن ما في النفس، وإظهار المعاني المقصودة بوضوح، ولقد قيل قديماً " الإعراب فرع المعنى، والمعنى سبباً للإعراب ".

والإعراب – لفظاً – مصدر معناه الإبانة عن المعاني بالألفاظ. أعربت عن الشئ: إذا أوضحت عنه، وفلان معرب عما في نفسه، أي مبين له وموضح عنه (1).

وجاء في الحديث " الثيب تعرب عن نفسها " (2).

وفي الاصطلاح: أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة (3).

ولقد اتفق علماء العربية وجميع النحاة إلا من شذ منهم (4) على أهمية الإعراب، وإن لعلاماته دلالات معينة، وأغراضاً معنوية، الخليل، وسيبويه، وابن جني، والمبرد، وابن السراج، والسيوطي، وغيرهم كثير. (ولقد عبروا عن هذه الظاهرة بأساليب متنوعة تنطق جميعا بحقيقة واحدة. ولعل أوفى خلاصة لتلك الآراء قول ابن فارس: " فأما الإعراب فبه تميز المعاني ويوقف على أغراض المتكلمين. وذلك أن قائلاً لو قال " ما أحسنْ زيدْ " غير معرب أو " ضرب عمرْ زيدْ " غير معرب، لم يوقف على مراده فإذا قال" ما أحسنَ زيداً " أو " ما أحسنُ زيدٍٍ " أو " ما أحسنَ زيدٌ " أبان بالإعراب عن المعنى الذي أراده") (5).

والعجيب أن اهتمام أولئك العلماء بدور الإعراب في إبانة المعنى وتوضيحه وهم في العصور الأولى، تلك العصور التي يحتج بكلامهم، فهم بلغوا من الفصاحة أفضلها، ومن اللغة أجزلها.

ــــــــــــــــــــــ

(1) لسان العرب لابن منظور مادة (عرب)

(2) موسوعة الحديث الشريف، سنن ابن ماجه كتاب النكاح ص 2589

(3) ضياء السالك إلى أوضح المسالك 1/ 40 باب شرح المعرب والمبني

(4) هناك دعوات من بعض العلماء لإلغاء الإعراب أمثال قطرب.

(5) دراسات في فقه اللغة، د. صبحي الصالح، ص 117، وقول ابن فارس في الصاحبي ص 161.

نزل القرآن على لغتهم ووضعت قوانين النحو محاكاة لكلامهم؛ فما بالك بالذين يقللون من أهمية الإعراب والنحو في هذا العصر بدعوى الصعوبة والتعقيد. ويزعمون أنه فقط تقويم الألسن، يأتي عن طريق المحاكاة والمران المتواصل، ويقيسون ذلك بشعراء الجاهلية الذين لم يعرفوا الإعراب ولا النحو. فالقياس هنا لا يتسم بالموضوعية؛ لأن الإنسان العربي في هذا العصر الحاضر، لا يتاح له سماع اللغة الفصحى من أهلها كما في السابق؛ وذلك لانتشار العامية وشيوع اللحن من جهة. والتحديات الكبيرة التي تواجه الأمة من جهة أخرى كالغزو الثقافي والفكري عن طريق الفضائيات وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة.

يقول الدكتور: صبحي الصالح: (ولما أصابت العربية حظاً من التطور أضحى الإعراب أقوى عناصرها، وأبرز خصائصها، بل سر جمالها، وأمست قوانينه وضوابطه هي العاصمة من الزلل، المعوضة عن السليقة، لأن الناس أدركوا حين بدأ اختلاطهم بالأعاجم أنهم لولا خلاطهم لهم لما لحنوا في نطق، ولا شذوا في تعبير) (1).

وهكذا فإن الإعراب لم يوضع لتحسين الكلام ولا لزخرفته وتلميعه، بل وضع لتمييز المعاني المختلفة وإيضاحها والدلالة المعنوية عليها.

وهذا الفن الإعرابي نشأ مع النحو، واستعان به المفسرون في توضيح الآيات في كتبهم المفسرة.

ولذلك كان تعلم الضبط الإعرابي، وقواعد النحو أمرًا ضروريًا في فهم القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، والتراث العربي ككل من شعر ومثل وحكمة؛ لأنه إذا اختلف الضبط الصحيح فسد المعنى.

وإليك بعض الأمثلة التي توضح أهمية الضبط الإعرابي في فهم القرآن الكريم.

أولا: قوله تعالى: ? أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ? (2)

لو قرئت ورسولِه بكسر اللام أي بعطف رسوله على المشركين لفسد المعنى تمامًا، فيكون المعنى الفاسد.

أن الله برئ من المشركين وبرئ من رسوله كذلك.

وسبب ذلك الفساد هو الضبط غير الصحيح ولكن الضبط الصحيح هو: "ورسولُه" بضم اللام على الابتداء بعد الاستئناف فيكون المعنى الصحيح "أن الله برئ من المشركين، ورسولُه برئ من المشركين كذلك" (3).

ـــــــــــــــــــ

(1) دراسات في فقه اللغة (د. صبحي الصالح) ص 118

(2) سورة التوبة آية (3).

(3) انظر البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 5/ 367.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير