(وأفرد " السَّمع " لكونه مصدرًا يشمل القليل والكثير، وخص " السَّمع بذكر المصدر دون البصر والفؤاد، فذَكَرَهما بالاسم، ولهذا جمعا) انتهى
والله أعلم.
قول ابن منظور:
(والْقُرْبانُ: جَلِيسُ الملك وخاصَّتُه, لقُرْبِه منه, وهو واحد الْقَرابِينِ، تقول: فلانٌ من قُرْبان الأَمير, ومن بُعْدانِه. وقَرابينُ المَلِكِ: وُزَراؤُه, وجُلساؤُه, وخاصَّتُه. وفي التنزيل العزيز: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ ءَادَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْبَانًا})
ما فَهمتُه من قَولِه، أنه أراد بـ" القربان " هنا: الاسم، لا المصدر، ولم يجمعه على أنه مصدر.
ومعلوم أنَّ بعض الألفاظ تحتمل الاسم والمصدر معًا، والسِّياق هو الَّذي يُفرِّق بينهما.
نحو " الظنّ "، قال في " اللسان ":
(الظَّنُّ: يكون اسمًا ومصدرًا، وجمعُ الظَّنِّ الذي هو الاسم: " ظُنُون ") انتهى بتصرُّف.
وفي " العين ":
(وقد يُجْعَل الظَّنُّ اسمًا، فيُجمَع كقوله " من الوافر ":
أتَيتُكَ عاريًا خَلَقًا ثيابي * على دَهَشٍ تُظَنَّ بيَ الظُّنُونُ
وفي الآية الكريمة، في " الْقُربان " وجهان:
الأول: اسم لِما يُتقرَّب به إلى الله – عزَّ وجلَّ – من صَدَقةٍ أو نُسُكٍ، أو غير ذلك، كالْحُلوان.
الثاني: أن يكون مصدرًا في الأصل، ثمَّ أُطلقَ على الشيء المتقَرَّب به.
وأرَى أنَّ صاحب " اللسان "، قد جمعه على أنه اسم، والله أعلم.
(مادامت " مجال ونقاش ومقال " وغيرها، لا تنطبق عليها شروط جمع المؤنث السالم، لِم لا تعتبر من ملحقات هذا الجمع؟)
أحسنتَ – أستاذي الكريم -، وأنا أوافقك في ما تراه، ولكن لا بدَّ من تحديد المسمَّى أوَّلاً.
إن كنتَ ترَى أنَّ الجمع الذي ينتهي بألفٍ وتاء، هو " جمع مؤنَّث سالم "، فأقول: كلمة " مَجال " وأخواتها ملحقة به، لأنَّ مفردها مذكَّر، و" جمع المؤنث السالم " يعني جمع المفرد المؤنث.
فكلمة " مَجال " ونظيراتها فَقَدت شرطًا من شروط الجمع، فلا تستحق أن يُطلق عليها جمع مؤنث سالم.
أمَّا، إن أردتَ أنه الجمع المختوم بألف وتاء زائدتين، وهو الاسم الذي اختاره ابن مالكٍ، ووافقه ابنُ هشامٍ - رحمهما الله -، فهو يُقاس عليه، ولا يقال: إنه ملحق به.
لأنَّ قولنا: " بألف وتاء "، يشمل جمع المؤنث، وجمع المذكَّر، وما سَلِم فيه المفرد وما تغيَّر.
وهذا ما ذكره ابنُ مالكٍ - رحمه الله - في " شرح التسهيل -، في ابتداء كلامه عن هذا الجمع، حيث قال:
(يُجمَع بالألف والتاء قياسًا)، إلى أن قال: (وما سِوى ذلك مقصورٌ على السماع) انتهى
فتبيَّن من كلامه، أنَّ المسموع داخل في القياس، مثل غيره في الحكم، وليس مُلحقًا به.
وكذلك فقد أقرَّ هذا المفهوم، صاحب " النحو الوافي "، حين ذكر جميع الأنواع التي تدخل ضمن دائرة ما يُجمع بالألف والتاء، ومنها كلمة " شمالات "، وكذلك كل ما ورد سماعه.
أقول: وكذا كلُّ ما قيس على السَّماع، وكذا جمع الجمع، نحو: " رِجالات، بيوتات "
والوجه الثاني، أنَّ ما أُلحِق بهذا الجمع نوعان:
كلمة " أولات "، حيث لا مفرد لها من لفظها.
وما كان جمعًا وسُمِّيَ به اسمًا مفردًا، نحو " عَرفات "
ويبدو واضحًا، أنَّ كلمة " مَجال " ونظيراتها لا ينطبق عليها ذانِك الشرطان، والله أعلم.
والحمد لله، فقد وقفتُ على ثلاثة نصوص، تتعلَّق بهذه المسألة.
الأول، اشتمل على خفيِّ الإشارة، وسواه جاء بصريح العبارة.
جاء في كتاب " العين ":
(والضِّبْعان: الذكر من الضِّباع، ويجمع على ضِبْعانات، لم يُرِدْ بالتاء التأنيث، إنما هو مثل قولك: فلان من رِجالاتِ الدّنيا.
قال الخليل: كلّما اضطّروا، فَصَعُبَ عليهم واستُقبح، ذهبوا به إلى هذه الجماعة، تقول: حمّام وحمّامات، كما يقولون: فلان من رجالاتِ الدّنيا.
قال:
وبُهلُولا وشِيعَتَهُ تركنا * لِضبْعَانَات مَعْقْلَةٍ منابا) انتهى
وجاء في " اللسان "، و" تاج العروس ":
(قال سيبويه: وإِنما قالوا حمَّامات واصطبلات وسُرادِقات وسِجِلاَّت، فجمعوها بالأَلف والتاء وهي مذكَّرة، لأَنهم لم يُكسِّروها؛ يريد أَن الأَلف والتاء في هذه الأَسماء المذَكَّرة جعلوهما عِوَضًا من جمع التكسير، ولو كانت مما يكسَّر لم تجمع بالأَلف والتاء) انتهى
وفي " الكتاب "، قال – رحمه الله -:
(وقالوا: عيرات، حين لم يكسّروها على بناء يكسَّر عليه مثلها.
وربَّما جمعوه بالتاء وهم يكسّرونه على بناء الجمع، لأنه يصير إلى بناء التأنيث، فشبهوه بالمؤنث الذي ليس فيه هاء التأنيث، وذلك قولهم: بوانات، وبوان للواحد، وبون للجميع، كما قالوا: عرسات وأعراس، فهذه حروف تحفظ، ثم يجاء بالنظائر.
وقد قال بعضهم في شمال: شمالات) انتهى
وهذا نصٌّ قاطع في المسألة، وأرَى أنه يُقوِّي رأي ابن جنِّي – رحمه الله –.
ختامًا، وبعد أن شرَّفتَني بمرافقة هذه الحروف، أرَى أنَّك أنتَ صاحب الفضل والمعروف، أسأل الله أن يذلَّل لك طريق " البحث "، وأن ينفع بك وبه، ويُعظِم لك الأجر.
دمتَ بكلِّ الودِّ والتقدير
مع خالص تحياتي
¥