الاعتراضات والاستدراكات في ذلك، غير أن ذلك ليس هدف هذا البحث.
وختمت البحث بخاتمة لخّصت فيها أبرز النتائج.
والله وليّ التوفيق.
تمهيد: معنى الصرف والتصريف:
في اللغة: أصلهما مصدران لصَرَفَ وصَرَّف، ويدلاّن على معانٍ منها: التقليب، والتحويل، والتغيير. يُقال:» صَرَفت الصبيان: قلبتهم «. وقالوا:» وصَرَف اللهُ عنك الأذى «أي: حوّله، ومن ذلك: تصريف الرياح والسحاب، أي: تحويله من مكان إلى مكان، وتصريف الأمور، وتصريف الآيات، أي: تَعْيينها في أساليب مختلفة وصور متعدّدة ().
والتصريف أبلغ في معنى التغيير من الصرف، والعكس في معنى التحويل والتقليب.
في اصطلاح النحاة: ظهر مصطلح التصريف في كتب النحو، ولم يتخلف عنه في بداية ظهوره، حتى قال ابن جنيّ:» لا تكاد تجد كتابًا في النحو إلاّ والتصريف في آخره () «.
وقد مرّ هذا العلم بعدد من المراحل؛ إذ اتسعت مباحثه، وتطوّر مفهومه، ويمكن حصر هذه المراحل في ثلاث:
الأولى: مرحلة اندماجه مع النحو في قَرَن واحد دون تفريق أو تمييز.
الثانية: بدء انفصاله واستقلاله في علم مستقل باسم: علم التصريف.
الثالثة: مرحلة تكوين علم التصريف واكتماله، وانتقال تسميته في كثير من المصنفات إلى علم الصرف.
فالمرحلة الأولى: تمثلها كتب النحاة الفحول الذين ألفوا في النحو، واندرجت مباحث التصريف مع مباحث النحو دون استقلال لأحدهما، أو تمييز، بل إن مباحث التصريف كانت مبثوثة في بعض الكتب النحوية، وممّن سار على هذا النهج: سيبويه في كتابه، والمبرّد في مقتضبه، وابن السراج في أُصوله؛ مع أنّ بين هؤلاء اختلافًا في ترتيب الأبواب الصرفية وتنظيمها، وتشابهًا وتقاربًا كبيرًا في المادة العلمية.
ومصطلح التصريف في هذه المرحلة ضيّق لا يقصد به إلا باب يسير، وهو ما يسمّى بـ» القياس اللغوي «، وقد عرفه سيبويه بقوله:» هذا باب ما بنت العرب من الأسماء والصفات والأفعال غير المعتلة، والمعتلة، وما قيس من المعتل الذي لا يتكلمون به ولم يجئ في كلامهم إلاّ نظيره من غير بابه، وهو الذي يسميه النحويون التصريف والفعل «().
ويشرح أبو سعيد السيرافي مراد سيبويه بالتصريف والفعل فيقول:» وأما التصريف فهو: تغيير الكلمة بالحركات والزيادات والقلب للحروف التي رسمنا جوازها حتى تصير على مثال كلمة أخرى، والفعل تمثيلها بالكلمة ووزنها به .... «().
ومعنى التصريف عند سيبويه على هذا هو تغيير الكلمة من وزن إلى وزن آخر، سواء أكان ذلك من المعتل أم من غير المعتل، على نسق كلام العرب الذي تكلموا به في غير باب المعتل أو غير المعتل بمعنى: أن يُقاس الصحيح على وزن للمعتل لم يأت الصحيح عليه، والعكس أيضًا، وهذا يكون في مسائل التمارين والتدريبات؛ لترويض قوانين البدل والقلب والحذف، ومعرفة الأبنية، والميزان الصرفي، وهذا هو التصريف عند سيبويه، وما معرفة قوانين البدل والحذف والقلب إلاّ لِتُعين على مسائل التصريف، وإلاّ فهي ليست تصريفًا.
ولم يذكر المبرّد تعريفًا للتصريف، غير أنه لا يبتعد عن سيبويه في ذلك، وهو لا يَعُدّ البدل والزوائد والحذف والأبنية من التصريف، وإنما هي أمورٌ تقع في التصريف دون أن تكون هي التصريف ().
أمّا ابن السّراج فيعرّف التصريف بأنه:» ما عرض في أصول الكلام وذواتها من التغيير «()؛ وهو تعريف لا يختلف كثيرًا عما فُهم من سيبويه والمبرد، غير أنه يجعل التصريف خمسة أقسام: زيادة، وإبدال، وحذفٌ، وتغيير بالحركة والسكون، وإدغام (). وهذه لم تكن من أقسام التصريف عند سيبويه والمبرد، وإنما هي مكمّلات للتصريف ومن دواعيه، ولعلّها أول محاولة لتوسيع دائرة مفهوم التصريف.
وعلى هذا، فالتصريف عندهم جزءٌ من النحو، فمدلول النحو عندهم يشمل جميع القواعد والمسائل التي تتعلق بالكلمة، إفرادًا وتركيبًا.
المرحلة الثانية: وهذه هي المرحلة التي مَهّدت لظهور هذا العلم، واستقلاله بالتأليف عن النحو، مع أنه لا يبدو أن الصرف أصبح قسيمًا للنحو في هذه المرحلة.
ويمثل هذه المرحلة عددٌ من النحاة من أبرزهم: المازني، وأبو علي الفارسيّ، وابن جنيّ.
¥