تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالمازني ألّف كتاب التصريف، وأبو علي الفارسيّ ألف كتاب التكملة على الإيضاح، وهو كتاب مستقل بالصرف مع أن أبا عليّ يعدّ هذا الكتاب الجزء الثاني من الإيضاح، كما أنه يعد الصرف هنا قسمًا من النحو، ولهذا يقول في تعريف النحو:» النحو علمٌ بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب، وهو ينقسم قسمين: أحدهما: تغيير يلحق أواخر الكلمة، والآخر تغييرٌ يلحق ذوات الكلم وأنفسها «().

وفي سياق هذه المرحلة ألف ابن جنّي التصريف الملوكي.

ومفهوم التصريف عند هؤلاء لا يبتعد كثيرًا عن المفهوم السابق في المرحلة الأولى، ولهذا فابن جني في تعريفه للتصريف حين يشرح كلام المازني يقول:» التصريف إنما هو أن تجيء إلى الكلمة الواحدة فتصرفها على وجوه شتّى؛ مثال ذلك: أن تأتي إلى ضرب فتبني منه مثل جعفر فتقول: ضربب .... «().

ولا يظهر من تعريف ابن جنيّ اختلافٌ عن تعريف سيبويه وابن السّراج، وما أراده المبرّد بالتصريف، وإنما هو المراد نفسه؛ وواضح أن المقصود بالتصريف في هذه المرحلة ليس معرفة قواعد الاشتقاق» أبنية كلام العرب «وإنما هو العمل على تصريف الأبنية واشتقاق بعضها من بعض، ووضع أمثلة لم تسمع عن العرب على وزن أمثلة سمعت.

والذي يَميز هذه المرحلة هو استقلال هذا العلم وإفراده بالتأليف.

المرحلة الثالثة: وفي هذه المرحلة اكتمل التصريف ليكون علمًا مستقلاً، وأصبح قسيمًا للنحو لا قسمًا منه، ويمثّل هذه المرحلة المتأخرون من النحاة، كعبد القاهر الجرجاني، وابن عصفور، وابن الحاجب، وابن مالك، وابن هشام، وغيرهم.

وتعددت تعريفات النحاة لهذا العلم، إلاّ أنّهم يتفقون في كونه علمًا مستقلاً قسيمًا للنحو، وإن اختلفوا في تفاصيل الأبواب والمسائل.

ولعلّ الجرجانيّ أول من ألف كتابًا وصل إلينا باسم (الصرف) وابتعد عن التسمية (التصريف)؛ غير أنه لما أتى إلى التعريف عرّف التصريف، فقال:» اعلم أن التصريف تفعيلٌ من الصرف، وهو أن تُصرِّف الكلمة المفردة فتولّد منها ألفاظٌ مختلفة، ومعانٍ متفاوتة «().

أما ابن عصفور فذكر أنّ التصريف قسمان:» أحدهما: جعل الكلمة على صيغ مختلفة لضروب من المعاني .... والآخر من قسمي التصريف: تغيير الكلمة عن أصلها من غير أن يكون ذلك التغيير دالاًّ على معنًى طارئ على الكلمة «().

ويأتي ابن الحاجب فيصرّح أنّ التصريف علمٌ، فيقول:» التصريف علمٌ بأصولٍ يُعرف بها أحوال أبنية الكلم التي ليست بإعراب «().

وقد ناقش الرضيّ هذا التعريف مناقشة عميقة، اتجه فيها اتجاهًا منطقيًا، وعرض لبعض المدخولات على التعريف، ليس هذا مكان عرضه ().

أما ابن مالك فيعرف التصريف بقوله:» التصريف علمٌ يتعلق ببنية الكلمة وما لحروفها من أصالةٍ وزيادة وصحّة وإعلالٍ وشبه ذلك «().

وعلى هذا فمسائل التصريف اتسعت ودخل فيها ما كان خارجًا عنها في المرحلتين السابقتين من مباحث تغيير البنية نحو: الإبدال، والحذف، والزيادة، ومعرفة الأبنية، والتصغير، والجمع، والنسب، والإدغام، وغيرها مما سيتضح فيما بعد.

التسمية بالصرف والتصريف:

الصرف في اللغة مصدرٌ للفعل الثلاثي: (صَرَف) فالتسمية هنا بالمصدر. والتصريف مصدرٌ للفعل الثلاثي المزيد بالتضعيف: (صَرَّف)، والزيادة في الفعل تُعطي معنًى زائدًا في المصدر؛ إذ الزيادة في المبنى تدلُّ على الزيادة في المعنى.

ومن المعلوم أنه بُدئ باستخدام لفظة (التصريف) عنوانًا لهذا العلم، ولم يكن اختيارهم لها اعتباطا، بل لذلك دلالة على المعنى الاصطلاحي الذي أرادوه وهو معنى: تغيير الأبنية من وضع إلى وضع، ومن مثال إلى مثال، والتصريف يفيد معنى التغيير أكثر من إفادة الصرف لهذا المعنى، وكذا يوحي معنى التصريف بالعمل والتدريب وكثرة التمارين.

وحين اتسعت دائرة هذا العلم، ودخل فيه بعض المسائل والقواعد التي يبدو فيها التغيير أقل ظهورًا، ظهر مصطلح الصرف على هذا العلم، ليشمل المسائل والقواعد تلك، ولعلّ ظهور هذا المصطلح يواكب استقلال هذا العلم عن النحو، ولهذا فإنّ بعضهم () يَعُدّ التصريف هو المعنى العملي، والصرف هو المعنى العلمي؛ أي أن التصريف يرتبط بكثرة دوران الأبنية واشتقاقها والعمل فيها، والصرف يرتبط بالأصول الكلية التي ينبني عليها معرفة أحوال المفردات.

مباحث التصريف:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير